لطالما كانت الهند تتبع سياسة «التحرك شرقًا» أو «النظر شرقاً» والتي تهدف إلى تحسين الاتصال مع جنوب شرق آسيا عبر المنطقة الشمالية الشرقية من البلاد. وقد اكتسب التواصل مع الجنوب الشرقي معنى إضافياً، حيث سعت الهند إلى تعزيز الروابط الدفاعية والاقتصادية مع كل دولة على حدة في جنوب شرق آسيا. ولم يقتصر الأمر على أن الهند تستكشف مجالات جديدة للتعاون مع هذه الدول. ومع اقتراب إجراء الانتخابات في الهند، خصص وزير الشؤون الخارجية «سوبرامانيام جايشانكار» وقتاً لزيارة الفلبين وماليزيا وسنغافورة لتعزيز علاقات نيودلهي مع جنوب شرق آسيا.

لقد كانت سنغافورة شريكاً طويل الأمد للهند وكان لها دور فعال في ضم الهند إلى رابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان)، وهي اتحاد سياسي واقتصادي يضم 10 دول في جنوب شرق آسيا. وأثناء وجوده في سنغافورة، التقى جايشانكار برئيس وزراء البلاد «لي هسين لونج»، وأجرى مناقشات مع نظيره السنغافوري «فيفيان بالاكريشنان» وعدد آخر من المسؤولين. وقد تركزت المناقشة حول الأحداث العالمية، وكذلك الأوضاع من غرب آسيا إلى مناطق الهند والمحيط الهادئ. كما تناولت الزيارة تعزيز العلاقات الثنائية مع الدول الثلاث، وأتاحت للدكتور جايشانكار فرصة للمشاركة في القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك.

وترمي الهند إلى ما هو أبعد من تعاونها التقليدي في جنوب شرق آسيا، بما في ذلك التعاون الدفاعي، إذ إن جهودها تهدف إلى التعبير عن التضامن مع جنوب شرق آسيا، حيث تبني الهند تحالفات وسط مكانتها العالمية المتنامية، التي تأتي مع مسؤوليات التفاعل مع القضايا الإقليمية. وكان أحد الجوانب الرئيسية لذلك هو تعزيز التعاون الدفاعي والبحري مع جميع دول جنوب شرق آسيا الثلاث، التي زارها الدكتور جايشانكار. وشمل ذلك مناقشات حول بناء القدرات، والتدريبات المشتركة، وتبادل المعلومات، والتعاون الدفاعي. وفي الفلبين، أكد وزير الخارجية الهندي مجدداً على دعم الهند للفلبين. وقال نظيره الفلبيني «إنريكي مانالو»، إن البلدين يستكشفان سبل ضمان بقاء منطقة الهند والمحيط الهادئ حرة وسلمية. وفي الأسبوع الماضي، قال وزير الخارجية، إن البلدين يبحثان أيضاً عن مجالات جديدة للتعاون في مجالي الدفاع والأمن.

وفي الواقع، برز تعزيز التعاون الدفاعي والأمني مع دول جنوب شرق آسيا باعتباره عنصراً مهماً في تواصل نيودلهي مع دول جنوب شرق آسيا. وبالمثل في ماليزيا، التقى الدكتور جايشانكار مع القيادة العليا في البلاد، مما أتاح فرصة لتأكيد الالتزام بمواصلة تطوير الشراكة الاستراتيجية الثنائية المعززة. كما التقى برئيس الوزراء الماليزي «أنور إبراهيم» وشكره على دعمه لتعميق العلاقات الثنائية في إطار الشراكة الاستراتيجية المعززة بين الهند وماليزيا. كما هو الحال في عدد من البلدان الأخرى، تقوم الهند بإنشاء فرع للمعهد الهندي للتكنولوجيا في ماليزيا أيضاً. وقد أتاحت زيارة جايشانكار لماليزيا فرصة لتأكيد الالتزام بمواصلة تطوير الشراكة الاستراتيجية المعززة، وفقاً لوزارة الخارجية الهندية. تتمتع الهند وجنوب شرق آسيا بروابط اقتصادية قوية ومتنامية.

وتعد رابطة دول جنوب شرق آسيا رابع أكبر شريك تجاري للهند، في حين تعد الهند خامس أكبر شريك تجاري لرابطة دول جنوب شرق آسيا. وبلغت قيمة التجارة الثنائية بين الهند والآسيان في 2019-2020,86.9 مليار دولار. لكن حجم التبادل التجاري بينهما وصل إلى 131.57 مليار دولار في عام 2022-2023. وهناك أيضاً العديد من أوجه التقارب في المصالح بين الجانبين، وكذلك ثقة متبادلة وسط التوترات الجيوسياسية. تعد الهند جزءاً من جميع المنتديات المهمة في إطار رابطة الآسيان، بما في ذلك قمة شرق آسيا و«اجتماع وزراء دفاع الآسيان بلس». وفي الواقع، تعود العلاقة بين الهند ورابطة الآسيان إلى أكثر من ثلاثة عقود. فقد أصبحت الهند شريكاً قطاعياً لرابطة الآسيان في عام 1992، وشريكاً في الحوار في عام 1996، وشريكا على مستوى القمة في عام 2002. وفي عام 2012، تمت ترقية العلاقة إلى شراكة استراتيجية.

وفي الفترة من 2000 إلى 2021، استثمرت دول الآسيان ما مجموعه 126.4 مليار دولار في الهند، بمساهمة قدرها 123 مليار دولار من سنغافورة وحدها. وهذا يؤكد أن الإمكانات موجودة إذا قررت دول الآسيان الأخرى أيضا الاستثمار في الهند. وفي حين كان هدف الهند في وقت سابق يتلخص في تعزيز علاقاتها مع رابطة الآسيان، وسط الجغرافيا السياسية المتغيرة ومكانة الهند العالمية المتنامية، فإن الجهود الآن تتلخص في تعزيز العلاقات مع الدول الفردية. لا شك في أن العلاقات الأقوى بين الهند ودول جنوب شرق آسيا تعود بالنفع على المنطقة أيضاً.

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي