تتسارع دول العالم إلى الذكاء الاصطناعي، رغبة منها في مواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية، والاستعداد للمستقبل، لكن منذ وقت مبكر، كانت الإمارات تعمل على صناعة بيئة رائدة في الذكاء الاصطناعي، ومن أجل ذلك أنشأت وزارة تختص بالذكاء الاصطناعي، وأسست المجالس المتخصصة والمراكز البحثية في هذا المجال، باعتباره لغة العصر ومفتاح المستقبل، وأداة تكنولوجية يمكن تسخيرها في برامج ومبادرات عدة لاستشراف المستقبل ومجابهة التحديات والاستفادة من الفرص، بما يتماشى مع دور الإمارات في تأسيس الغد الأفضل للدولة والعالم.

تستثمر الإمارات في مجال الذكاء الاصطناعي بكثافة، لتعظيم الاقتصاد وبما ينعكس على التنمية المستدامة، واليوم يتمتع الذكاء الاصطناعي بالقدرة على توليد نحو 335 مليار درهم في اقتصاد الدولة، ضمن رؤية سباقة تبرز في استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي، إذ تتطلع الدولة في مشروعاتها التنموية إلى المستقبل بالعلم والتكنولوجيا، بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الخدمات الحكومية، للارتقاء بالعمل الحكومي، وتدريب المواهب على الوظائف المستقبلية، واستقدام القدرات البحثية العالمية لإجراء تجاربها على حلول الذكاء الاصطناعي في الإمارات، وتوفير البنية التحتية الداعمة لتصبح بمثابة منصة اختبار للذكاء الاصطناعي.

تتبنى الإمارات نموذجاً يمكن للذكاء الاصطناعي فيه تعزيز التنمية الاقتصادية، وهي الدولة الأسرع عالمياً في اتخاذ القرارات الحاسمة بمجال الاستثمار في تبنِّي بنية تحتية للذكاء الاصطناعي، ما يفتح الفرصة الحقيقية للدولة لزيادة كفاءة العمل وتحسين العمليات الصناعية والخدمية وزيادة الإنتاجية وخلق فرص عمل للشباب وتعزيز التنافسية الاقتصادية العالمية للبلاد، ما يسهم في جذب الاستثمارات الأجنبية. يُمكِّن الاستثمارُ في البحث والتطوير الدولة من أن تصبح مركزاً عالمياً للابتكار، وللذكاء الاصطناعي دور في تسريع عمليات الابتكار، مما يعزز القدرة على تطوير منتجات وخدمات جديدة، والانفتاح على شراكات واتفاقيات لتبادل المعرفة والتقنيات، وبالتالي إحداث نقلة نوعية في المنطقة العربية والعالم في تكنولوجيا الابتكار.

ولهذا، اختير وزير الدولة الإماراتي للذكاء الاصطناعي لعضوية المجلس الدولي الاستشاري للأمم المتحدة بخصوص الحَوْكَمة الدولية للذكاء الاصطناعي، ضمن 38 شخصية فقط من نخبة المسؤولين الحكوميين وروّاد الأعمال من قارات العالم، ما يوضح قدر الموقع الريادي الذي وصلت إليه الدولة في تطوير الحلول المتقدمة القائمة على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. وقبل أيام، اعتبر رئيس شركة «أوبن إيه آي»، سام ألتمان، أن الإمارات يمكنها القيام بدور «بيئة الاختبار التنظيمية» لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وقيادة عملية وضع القواعد العالمية، التي تحدد معايير استخدامها، خاصة أن العالم يحتاج إلى سياسة موحدة من أجل السيطرة على تقدم الذكاء الاصطناعي مستقبلًا.

واعتقاد شركة «أوبن إيه آي» بأن الإمارات يمكنها أن تصبح «مركزاً للتنظيم العملي» يُظهر قدرات الإمارات في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث البنية التحتية الرقمية المتقدمة، بما في ذلك مراكز البيانات المتطورة، والبيئة التنظيمية والقانونية الداعمة لتطوير واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتنوع الثقافي الغني الذي يوفر بيئة مثالية لاختبار تقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف الثقافات واللغات، مع دعمها لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي ومسؤول.

إن تطور قطاع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في الإمارات لا يتوقف، ولعل تأسيس شركة «إم جي إكس» التكنولوجية الجديدة، التي ستتجاوز قيمة أصولها 100 مليار دولار في سنوات، بهدف توظيف التكنولوجيا الرائدة في تحسين حياة الأجيال الحالية والمستقبلية، وتأسيس مجالس الذكاء الاصطناعي، يعكس مسار الدولة في استكمال الطريق نحو الريادة العالمية في مجال ضروري لتقدمها وحياة مواطنيها وللعالم أجمع، وهو توجُّه نابع من توجيهات القيادة الرشيدة، بحيث تكون حلول الذكاء الاصطناعي حاضرة في حياة المواطن، ومكانة الدولة المتقدمة في الذكاء الاصطناعي عالمياً.

*باحثة بمركز تريندز للبحوث والاستشارات.