منذ بدء الحضارات على كوكب الأرض كان للمياه الدور الرئيس في تأسيسها وتطورها واتساعها لما للمياه من أهمية سياسية واستراتيجية. ويؤكد التاريخ أن التعاون على المياه الدولية كان السائد وليس الصراع من أجلها، لكن منذ القرن الماضي كان للتحولات الناجمة عن تغير المناخ وتنامي طلب البشر على المياه التأثير الأبرز على تزايد المخاوف الدولية من نشوب المزيد من الصراعات المسلحة حول الموارد المائية المشتركة. وتٌشير الأبحاث والتقارير الدولية إلى أن استخدام المياه خلال القرن الماضي زاد بمعدلات تفوق ضعف معدل الزيادة السكانية، الأمر الذي ألقى بظلاله على العديد من المدن في مختلف أنحاء العالم حيث يعاني السكان من عدم توفر موارد مياه كافية. وبصورة عامة، يمكن تقسيم تحديات المياه إلى فئتين: مشاكل البنية التحتية للمياه ومشاكل الموارد المائية.
والأمر اللافت للنظر، أنه منذ العام 2012 تشهد قائمة المخاطر العالمية الصادرة عن المنتدى الاقتصادي العالمي تصنيف أزمات المياه في أعلى خمس أزمات كل عام. وقد أجبرت موجات الجفاف المستمرة ما يصل إلى 20 مليون شخص في جميع أنحاء أفريقيا والشرق الأوسط على ترك منازلهم بسبب الجفاف وبالتالي نقص الغذاء ونشوب الصراعات، وهي أسوأ أزمة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية. ومن ناحية أخرى، تؤكد توقعات الأمم المتحدة والبنك الدولي أنه بحلول عام 2030 سوف تعرقل ندرة المياه، بسبب تغير المناخ، النموَّ الاقتصادي وتؤدي إلى تزايد معدلات الهجرة وتؤثر على ما يقرب من 40% من سكان العالم، مع تعرض ما يصل إلى 700 مليون شخص لخطر النزوح بسبب الجفاف.
وبناءً على نتائج دراسة أجراها مركز البحوث المشتركة التابع للمفوضية الأوروبية، فإن نظرية حروب المياه القائمة على تغير المناخ وارتفاع ندرة الموارد يمكن أن تؤدي إلى عدم الاستقرار الإقليمي والاضطرابات الاجتماعية. ويُقدر الباحثون أن فرص نشوب حروب المياه تتراوح بين 75% إلى 95% خلال خمسين إلى مئة عام القادمة. ولذا فإن غالبية دول العالم تولي الأمنَ المائي أهميةً استراتيجية كبرى باعتباره أحد ركائز الأمن الوطني الدول. وتأتي دولة الإمارات العربية المتحدة في مقدمة هذه الدول، إذ أصدرت استراتيجية الأمن المائي 2036 التي تهدف إلى ضمان استدامة واستمرارية الوصول إلى المياه خلال الظروف الطبيعية وظروف الطوارئ القصوى.
ويتم تنفيذ الاستراتيجية من خلال التركيز على مستهدفات رئيسة، وثلاثة برامج استراتيجية تشمل برنامج إدارة الطلب على المياه، وبرنامج إدارة الإمداد المائي، وبرنامج الإنتاج والتوزيع للطوارئ. وهذا إضافة إلى محاور مشتركة تشمل تطوير السياسات والتشريعات وحملات التوعية والترشيد واستخدام التقنيات المتقدمة والابتكار وبناء القدرات في مجال المياه وفي هذا السياق. وقد جاءت توجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بإطلاق «مبادرة محمد بن زايد للماء» لمواجهة التحدي العالمي العاجل المتمثل في ندرة الماء. أضف على ذلك، تدشين محطة تحلية مياه البحر «نقاء»، مؤخراً في إمارة أم القيوين، والتي تعد تجسيداً لنهج دولة الإمارات، ورؤية قيادتها في ضمان موارد مائية مستدامة للأجيال المقبلة. وتأتي تلك الجهود الوطنية كافة لضمان استدامة توفر المياه، وهي مصدر الحضارة والتنمية والازدهار والرخاء.

*باحث إماراتي