أثار اقتراح الرئيس إيمانويل ماكرون إرسال قوات غربية إلى أوكرانيا جملة من ردود الفعل. ففي فرنسا، عبّر أغلب خبراء الإعلام والاستراتيجية عن سعادتهم برؤية الرئيس ماكرون يشدد لهجته تجاه روسيا، بعد أن كانوا ينتقدونه بدعوى أنه كان تصالحياً أكثر مما ينبغي معه. غير أنه إذا كان «الصقور» يشكّلون الأغلبية في المجتمع الاستراتيجي الفرنسي، فإنهم لا يشكّلونها في البلاد: إذ يعارض 74 في المئة من الفرنسيين إرسال قوات إلى أوكرانيا. والشيء نفسه ينطبق على الزعماء الأوروبيين الذين نأوا بأنفسهم عن مقترحات إيمانويل ماكرون أو انتقدوها.
إبان الحرب الباردة، حرصت دول حلف «الناتو» وحلف «وارسو» على تجنب أي مواجهة عسكرية مباشرة. ولم يسبق أبداً أن أطلق جندي سوفييتي رصاصة على جندي أميركي، والعكس صحيح. وبالتالي، فقد يبدو من قبيل المفارقة الإقدام على مثل هذه المجازفة اليوم. وفي الأثناء، استبعد وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان ليكورني إرسال قوات قتالية إلى الميدان، مصححاً بذلك (أو موضحاً) تصريحات الرئيس. 
والواقع أن الأمور تسير بالفعل على نحو سيء بالنسبة لكييف التي تواجه صعوبات كبيرة على المستوى العسكري حالياً. ذلك أنه إذا كان الأمل في نهاية 2022 هو انهيار الجيش الروسي، فإن ما شاهدناه في 2023 هو فشل الهجوم المضاد الأوكراني، لا بل إن الجيش الأوكراني خسر أراضي من جديد. فولوديمير زيلينسكي يشكو من عدم كفاية الذخيرة التي يتلقاها. ومن جهة أخرى، فإن المعدل الديموغرافي لا يصب في صالحه نظراً لأن عدد سكان أوكرانيا أقل بأربع مرات من عدد سكان روسيا. 
الدول الغربية تدعم شروط زيلينسكي لإنهاء الحرب، أي: استعادة كل الأراضي التي فقدتها ليس فقط في 2022، ولكن أيضاً شبه جزيرة القرم، ومطالبة روسيا بدفع تعويضات الحرب. ومن نافلة القول، إن هذه الأهداف صعبة التحقيق. فهل لهذا السبب تحدّث الرئيس ماكرون عن إرسال قوات غربية تستطيع قلب الموازين لصالح أوكرانيا؟ الواقع أن مثل هذا القرار ينطوي على خطر مواجهة مباشرة مع القوة النووية روسيا. فكيف يمكن إذن تفسير هذا التصريح الذي صدر عن إيمانويل ماكرون، الذي ندّد بعيد ذلك بجبن أولئك الذين لا يريدون أن يكونوا حازمين بما فيه الكفاية في التعامل مع فلاديمير بوتين؟ 
قد تكون هناك أهداف سياسية داخلية وراء هذا التصريح قبيل الانتخابات الأوروبية لمعارضة حزبي «التجمع الوطني» و«فرنسا الأبية» اللذين يدعوان إلى وقف لإطلاق النار. وقفٌ اعتبره الأوكرانيون غير مقبول، على اعتبار أن ذلك قد يرقى إلى قبول لاعتداءات موسكو الإقليمية. 
والواقع أن البلدان الغربية وقعت في فخ، وهي التي أوقعت نفسها فيه. ذلك أنه من خلال تأييدها الكامل لأهداف الحرب التي أعلنها زيلينسكي وتأكيدها المتكرر على أن مصداقيتها الاستراتيجية باتت على المحك، تجد هذه البلدان نفسها اليوم مضطرة لفعل شيء ما في حال فشلت أوكرانيا.
والأرجح أن إيمانويل ماكرون قال في نفسه، إن لديه ورقة يستطيع لعبها من أجل ممارسة زعامة أوروبية، ومن أجل استعادة زمام المبادرة والتوقف عن وقوف موقف دفاعي، وخاصة في ضوء الانتقادات الشديدة التي تتعرض لها فرنسا وألمانيا في أوروبا الشرقية بسبب قربهما النسبي من روسيا. ولكن المشكلة هي أنه بتموضعه على هذا النحو، يتخلى ماكرون عن موقف تقليدي كان يصبّ في مصلحة فرنسا ويتمثل في الاضطلاع بدور همزة وصل بين الغرب والجنوب العالمي، في وقت ما فتئت تتسع فيه الفجوة بين الاثنين. والحال أن فرنسا، في تقاليد ديغول وميتران، دولة غربية بالتأكيد، إلا أنه لا يمكن اختزالها في ذلك. ذلك أنها تتميز أيضاً بتبني سياسة نشطة مع دول الجنوب، ولا سيما أن هذه الأخيرة باتت تحتل مكانة ذات أهمية متزايدة على الساحة الدولية. والحال أنه من خلال تموقعها السريع في دعم أوكرانيا، تبتعد فرنسا عن معظم دول الجنوب العالمي التي تعتبر أن الأولوية الملحة هي لإنهاء هذه الحرب. وهذا ما تحدث عنه البابا فرانسيس عندما طلب من زيلينسكي التحلي بشجاعة رفع الراية البيضاء، والحال أن ذلك يمثّل استسلاماً بالنسبة لماكرون وزيلينسكي.
المشكلة هي ألا أحد يستطيع أن يضمن أن استمرار الحرب -- التي ستكون له كلفة بشرية واقتصادية واجتماعية -- سيحقق النتيجة المرجوة. وبالنسبة للبابا فرانسيس والعديد من زعماء الجنوب، فإن ذلك يعني إطالة أمد الحرب دون داع، ومن دون أن يؤدي ذلك إلى تغيير للوضع على الميدان.
والمشكلة أن الدول الغربية لم ترغب أبداً في ربط مساعداتها بالحصول على تأثير معين على أهداف الحرب. والحال أن هناك فرقاً بين الممكن والمرغوب. فالمرغوب فيه أن تستعيد أوكرانيا كل الأراضي التي فقدتها، غير أن هناك شكوكاً في إمكانية تحقيق بذلك. والخطر هو أنه من فرط رغبتنا في دفع القرار في هذا الاتجاه، قد ندخل في تصعيد لا يمكن السيطرة عليه إزاء دولة تمتلك السلاح النووي.
*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس