في أواخر نوفمبر، بدأت مؤثّرات مشهورات مثل إميلي ماريكو وريتشل مانسفيلد نشر مقاطع فيديو لهن وهن يحضّرن «حساء جبنة الفيتا المشوية سريع الانتشار».«لحظة أخرى لجبنة الفيتا!». هكذا كتب حسابٌ على إنستغرام إلى جانب وصفة تحضير الحساء التي نشرها. ونشرت مؤثّرة أخرى وهي تروّج للوصفة: «لقد تحولت شوربة الفيتا المحمصة ذات الانتشار السريع إلى معكرونة بالجبن، لأن هذه هي أنا».

ولكن المشكلة الوحيدة، كما تقول الخبيرة الاستراتيجية المتخصصة في وسائل التواصل الاجتماعي راشيل كارتن، هي أنه لم يكن هناك سوى 19 مشاركة على «إنستغرام» و14 مشاركة على «تيكتوك» تتعلق بالحساء. فغردت تقول: «من الواضح أنها ليست سريعة الانتشار».

في 2024، أصبح تقديم المنتجات والوصفات والسلوكيات والملابس وغيرها باعتبارها «سريعة الانتشار» أمراً شائعاً ومألوفاً: «مثلجات المانجو سريعة الانتشار»، «وشاح الأمازون سريع الانتشار»، «قطع السوشي سريعة الانتشار»، «فستان إتش آند إم سريع الانتشار»، «البيتزا سريعة الانتشار»، «الشوكولاتة الفرنسية الساخنة سريعة الانتشار»، «تطوير خزانة الملابس سريع الانتشار»، إلخ. غير أن أياً من هذه العناصر لم ينل اهتماماً كبيراً على الإنترنت، ولم تحصد مقاطع الفيديو الخاصة به سوى عدد متواضع من المشاهدات. ولم ينتشر أي منها انتشاراً سريعاً.

لقد تغيّرت طبيعة الانتشار السريع على الإنترنت بشكل جذري على مدى العقد الماضي في وقت انقسمت فيه الإنترنت إلى عدد كبير جداً من الخوارزميات والمنصات والمجموعات المتخصصة. فازداد بشكل كبير حجم المحتوى الذي يتم إنتاجه كل يوم، وأضحت دورة حياة كل جزء من الوسائط أقصر، وفي الأثناء، واصلت منصات الوسائط الاجتماعية تضخيم مقاييس عامة، مما قلّل من قيمة إحصائيات على الإنترنت كانت مبهرة من قبل.

كل هذه العوامل جعلت مصطلح «سريع الانتشار» يكاد يصبح بلا معنى، كما يقول خبراء، وأدت إلى حالة سنسمّيها «تضخم الانتشار»، وهو مصطلح يعبّر عن المعنى المتناقص للانتشار السريع. ولكن، إذا وُصف كل شيء على أنه سريع الانتشار، فهل معنى ذلك أنه لا يوجد شيء سريع الانتشار؟ ماركوس سترينجر، المدير في «سوشل بليد»، وهي منصة لتحليل وسائل التواصل الاجتماعي، يقول: «في الماضي، كان مليون مشاهدة هو الإنجاز»، مضيفاً «كان ذلك يعني أن منشورك يصبح سريع الانتشار، وأن وكالات الأنباء عبر العالم ستسعى للاتصال بك ومحاورتك. أما الآن، فقد أصبحت عشرات الملايين من المشاهدات هي المعيار بالنسبة لأفضل قنوات«يوتيوب».

وقريباً، ستصبح 20 مليون مشاهدة هي القاعدة». وفي هذا السياق، تقول لارا كوهين، نائبة رئيس الشركاء وتطوير الأعمال في «لينكتري»، وهي منصة تسمح للمبدعين بتجميع الروابط إلى ملفاتهم الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي في صفحة واحدة: «نظراً لأن مفهوم الانتشار السريع تم تخفيفه، فإن أجزاء المحتوى ذات الانتشار السريع حقاً يجب أن تصل إلى مئات الملايين من الأشخاص على نطاق لم يعد بإمكان أي شخص على نحو متزايد الوصول إليه باستثناء «ميستر بيست»، هو لقب يشتهر به على الإنترنت جيمي دونالدسون، صانع المحتوى الأكثر مشاهدة على «يوتيوب». وأشار خبراء إلى أنه عندما بدأت منصات وسائل التواصل الاجتماعي في التحول إلى الخلاصات الخوارزمية المحسّنة من أجل التفاعل والمشاركة في منتصف العقد الأول من هذا القرن، تسارعت دورة المحتوى سريع الانتشار.

وأخذت العلامات التجارية تستوعب قوة الانتشار السريع فشرعت في محاولة صنعه. ثم انضم صانعو المحتوى إلى مجموعات المشاركة والتفاعل حيث يعيدون مشاركة محتوى بعضهم بعضاً في محاولة لفرض انتشار سريع الانتشار. ثم بدأت المنصات نفسها أيضاً في إدراك قوة الانتشار السريع وسعت إلى خلقه، أو على الأقل خلق مظهره. وكانت تلك بداية عصر تضخم الانتشار.

وقد أسهم «فيسبوك» في خفض السقف لما يمكن اعتباره مشاهدة فيديو، وبدأ في تضخيم عدد المشاهدات لمقاطع فيديو مختلفة من «فيسبوك» في محاولة لجعلها تبدو أسرع انتشاراً مما هي عليه في الواقع. ووفقاً لدعوى قضائية رفعت ضد «فيسبوك» في محكمة فيدرالية في كاليفورنيا في 2016، فإن معايير المشاهدة لبعض مقاطع الفيديو رُفعت بشكل مصطنع بنسبة تصل إلى 900 في المئة. وفي 2019، قام «فيسبوك» بتسوية الدعوى بمبلغ 40 مليون دولار.

ثم انضم «تيكتوك» إلى قائمة المنصات الرئيسة في 2020، مما خفّض أكثر شروط ما يمكن اعتباره «مشاهدة» ولئن كانت المشاهدة على «فيسبوك» تُحتسب بعد 3 ثوان من زمن المشاهدة، فإن المشاهدة على «تيكتوك» مجرد انطباع، ما يعني أن الفيديو يقدّم للمستخدم على الشاشة لمدة جزء من الثانية على الأقل. وحسب الشركة، فإن«تيكتوك» يعتبر أيضاً كل إعادة أوتوماتيكية لمقطع الفيديو بعد تشغيله مشاهدة، مما يسمح لمقاطع الفيديو بتسجيل أعداد هائلة من المشاهدات.

وتقول كوهين:«إن السرعة التي نتنقل بها عبر الاتجاهات ولحظات الانتشار السريع على الإنترنت أصبحت أسرع الآن بسبب «تيكتوك» بشكل رئيس». إن الادعاء بأن شيئاً ما«سريع الانتشار» هذه الأيام بات يشبه إلى حد ما ادعاء مطعم في حيك بأنه يقدّم «أفضل فنجان قهوة في العالم»، يقول الخبير في الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي دون كالدويل. فهو تسويق لطيف، ولكنه ليس صحيحاً بالضرورة.

*صحافية متخصصة في شؤون التكنولوجيا وثقافة الإنترنت.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج أند سيندكيشن»