عقب وباء كوفيد، كان هناك شعور واسع بضرورة التحرك العاجل وكان السؤال الملح هو: كيف يمكننا أن نفعل أفضل مما فعلناه؟ منظمة الصحة العالمية سعت إلى اغتنام تلك اللحظة لاقتراح خطة من أجل مزيد من العمل العالمي الموحد، ليس فقط للرد على الأوبئة مستقبلاً، ولكن أيضاً للوقاية منها والاستعداد لها. والآن، بلغ المفاوضون الأشهر الأخيرة من عملية استغرقت عامين لاقتراح معاهدة أو اتفاقية جديدة بشأن الأوبئة للقيام بذلك تحديداً.

ويقول متحدث باسم وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأميركية، التي تقود مع وزارة الخارجية مشاركة الولايات المتحدة في المفاوضات: «علينا أن نغتنم الفرصة لتحسين الجاهزية والرد العالميين وأن نعمل معاً على إيجاد الحلول»، مضيفاً: «إن الأمراض المعدية لا تحترم الحدود الوطنية».

ووفقاً لإدارة بايدن، فإن حماية الولايات المتحدة تقتضي تحسين القدرات العالمية والمحلية. لكن بينما يجتمع ممثلون من مختلف العالم في جنيف هذا الأسبوع من أجل الجولة الثامنة من المفاوضات، فإنهم يواجهون تحدياً صعباً قبل الموعد النهائي للمحادثات في أواخر مايو المقبل. ذلك أن هناك انقساماً بين شمال العالم وجنوبه، إذ تركز الدول المتقدمة بشكل أساسي على منع تفشي الأمراض عبر حدودها، في حين تسعى البلدان النامية إلى تحقيق قدر أكبر من العدالة الصحية بعد أن شعرت بالتخلف عن بقية العالم خلال الجائحة الأخيرة. ومما يزيد حالةَ التعقيد الجهودُ الموازية الرامية إلى تعزيز «اللوائح الصحية الدولية» الملزِمة قانوناً، والتي خضعت للمراجعة آخر مرة قبل قرابة 20 عاماً، إذ تحاول بعض البلدان إقحامَ أولوياتها ضمن اللوائح المعدَّلة في حالة الفشل في تمرير الاتفاقية.

وفي غضون ذلك، يحاول «الجمهوريون» في الكونجرس الأميركي وحلفاؤهم عرقلةَ مشاركة إدارة بايدن في المفاوضات، مشيرين إلى أن العملية تعكس محاولات قليلة لمراجعة سجل منظمة الصحة العالمية أثناء الوباء أو التعلم منه. كما يعتبرون أن الاتفاقية المقترحة من شأنها أن تقوّي موقف منظمة الصحة العالمية على حساب مصالح الولايات المتحدة، بما في ذلك حرية التعبير وحرية التدين.

وفي هذا الإطار، قال النائب براد وينستروب (عن ولاية أوهايو)، وهو طبيب ورئيس لجنة فرعية خاصة تحقّق في جائحة كوفيد -19، في مؤتمر صحفي للحزب الجمهوري بمجلس النواب يوم 5 فبراير المنصرم: «علينا التأكد من أن المسودة النهائية لا تنتهك سيادتَنا الوطنية أو حقوق الشعب الأميركي». الفعالية نظّمها النائبُ كريس سميث (عن ولاية نيوجيرسي) الذي يرأس اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية المعنية بالصحة العالمية بمجلس النواب. وقال سميث إن هناك «القليل جداً من التدقيق» في الاتفاقية الملزِمة قانوناً وفي تأثيرها على السياسة الصحية الأميركية.

والاتفاقية في جوهرها عبارة عن معاهدة، لكنها لم تسمَّ كذلك، وبالتالي فلن تكون بحاجة لتجاوز عقبة التصديق عليها في مجلس الشيوخ بأغلبية الثلثين. ومن شأن الاتفاقية أن تعالج 3 ثغرات رئيسة بخصوص الحكامة: انتقال الأمراض بين البشر والأنواع الأخرى، والافتقار إلى إطار عالمي متماسك لتبادل المعلومات حول مسبّبات الأمراض، بما في ذلك تطوير اللقاحات، وقضايا العدالة والمساواة مثل انعدام التكافؤ في توزيع اللقاحات.

ويقول بعض الخبراء إن التوصل إلى اتفاق يعالج هذه الثغرات الثلاث، وإنْ بشكل متواضع، سيشكّل خطوةً مهمةً نحو الأمام. أستاذ القانون الدولي بكلية فليتشر للقانون والدبلوماسية في جامعة تافتس ومستشار الأمم المتحدة، إيان جونستون، يقول: «إن القول بأن هذا الاتفاق سيؤثّر بشكل أو بآخر على السيادة الأميركية يعني ضمناً أنه سيكون نوعاً مكثفاً للغاية من الاتفاقيات يتوخى الحد الأقصى. والحال أنه لا يسير في هذا الاتجاه في الوقت الراهن». لكن جونستون يضيف قائلاً بأن المعاهدات تنطوي عادةً على التخلي عن «قليل من السيادة» من أجل هدف أوسع للسياسة العامة. وفي الأثناء، يعبّر «الجمهوريون» وحلفاؤهم عن قلقهم من المادة 18، التي تدعو إلى مكافحة المعلومات المضللة عبر التعاون الدولي. إذ يقول منتقدون إن ذلك قد يؤدي إلى مفاقمة قمع وجهات النظر المعارضة، وهو ما يعتبره المحافظون رقابة ممنهجة. كما يشعر بعضهم في اليمين بالقلق من أن يَمنح مثلُ هذا الاتفاق بعضَ السياسات المثيرة للجدل دعماً عالمياً، مثل إلزامية لقاحات إدارة بايدن.

وفي هذا الصدد، يقول البروفيسور بورسي إن «اللوائح الصحية الدولية» تحاول تسهيل الاعتراف المتبادل بشهادات اللقاح ولكن ليس اشتراط التطعيم، الذي يظل قراراً يعود لكل حكومة. ويقول مسؤول كبير في إدارة بايدن وصف هدف الولايات المتحدة الرئيس في هذه المفاوضات باعتباره يروم حماية الأميركيين من الأوبئة المستقبلية: «إننا لن نوقّع على اتفاق يقوّض بأي شكل من الأشكال سيادتَنا الوطنية، أو أمنَنا الصحي، أو قدرةَ الأميركيين على اتخاذ قرارات بشأن صحتهم».

والجدير بالذكر هنا أنه عندما وافقت الولايات المتحدة على «اللوائح الصحية الدولية»، احتفظت رسمياً بالحق في تحمّل تلك الالتزامات بما ينسجم مع «مبادئ نظامها الفدرالي الأساسية». غير أن مشروع الاتفاقية المتعلقة بالأوبئة لن تسمح بأي تحفظات من هذا القبيل، على الأقل وفقاً لأحدث مسودة عامة منه. هذا، ومن المقرر أن تبدأ الجولة المقبلة من المفاوضات والتي تستمر أسبوعين في الثامن عشر من مارس الجاري. 

كريستا كيس براينت

ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور