حينما وضع أباطرة الإعلام الأوائل التعريفات الأساسية لهذا العلم الجديد في النصف الأول من القرن الماضي، لم يفصّلوا كثيراً في الفروق بين الاتصال Communication والإعلام Media، إذ جعلوا الإعلام أحدَ أضلاع الاتصال الرئيسة الأربعة وأسموه: 1- «الاتصال الجماهيري»، و2- الاتصال الجمعي الذي يتم في بيئات عمل محدودة أو لقاءات اجتماعية أو سياسية أو دينية أو ثقافية صغيرة، و3- الاتصال الشخصي وهو الاتصال الذي يدور بين متحاورين اثنين، و4- الاتصال الذاتي وهو الذي يتحدث فيه الإنسان إلى نفسه في خلواته الذهنية.
وعندما فصّلوا في وظائف الإعلام، ألبسوا الكلَّ بلباس الجزء، لأن الإعلام حينها كان هو الضلع المهيمن، فجعلوا وظائف الاتصال داخلة في وظائف الإعلام الست أو السبع أو الثماني بحسب المدرسة التعليمية التي فصلت فيها.
تقول المدرسة الأكثر انتشاراً إن وظائف الإعلام هي في الغالب ست وظائف: 1- الإخبار بما يجري حول متلقي الرسالة الإعلامية وتغطية أحداث العالم السياسية والاقتصادية والرياضية وغيرها، 2- خلق المساحة الكافية للتعبير عن وجهات النظر المختلفة، ليجد متلقي الرسالة الإعلامية حزمة من الخيارات المختلفة التي تعينه على تحديد رأيه الخاص في مختلف القضايا، 3- نقل وصناعة المواد الترفيهية التي تشبع حاجة متلقي الرسالة في هذا الجانب، 4- المساهمة في العملية التعليمية بجانب المدرسة والجامعة ومراكز التدريب المختلفة من خلال تنمية قدرات متلقي الرسالة وإثراء تجاربهم ومكتسباتهم المهنية والحياتية. 5- الإعلان عن المنتجات الاستهلاكية وغيرها بهدف مساعدة متلقي الرسالة على الحصول على حاجاته اليومية بالإضافة إلى مساعدة الوسيلة الإعلامية على تغطية تكاليف تشغيلها، 6- الرقابة على الأجهزة العمومية من خلال نشر وإذاعة التقارير والتحقيقات التي تُبيّن مواقع الخلل في المجال العام بهدف لفت نظر صاحب القرار إلى التدخل لمعالجتها بما تقتضيه أنظمة البلد.
كان الاتصال في العقود التي سبقت الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، هو الإعلام في مجملة، وما الاتصال الذاتي والشخصي والجمعي إلا تفريعات صغيرة مقابل «الاتصال الجماهيري» المهيمن على واجهة الاتصال. وهذا ما يجعل بعض المتفائلين (من خارج دائرة الاتصال) يحمّلون الإعلام اليوم مهامَّ ليست له ويطلبون منه وظائفَ لا يستطيع القيامَ بها.
اليوم توسعت دائرة الاتصال، وأصبح أكبر بكثير من دائرة الإعلام، وصار لزاماً على عرّابي المهنة الإعلامية التفصيل في وظائف الاتصال الجديد وفصلها عن وظائف الإعلام، الأمر الذي سينعكس على نجاعة الخطط الاتصالية التي تقوم بها الشركات والدول عندما تتحدث إلى جماهيرها.
الاتصال أصبح اليوم أكثر اتساعاً بوجود مئات الأدوات الاتصالية التي تمثل فضاءً عاماً لا يمكن أن تغطيه وسائل الإعلام. وعندما تسمع اليوم أحداً يقول إن الإعلام فشل في نقل الصورة الجيدة عني أو عن شركتي أو عن منظمتي أو عن دولتي، فقل له إن الاتصال هو المسؤول عن ذلك وليس الإعلام.