تُعرف منطقة دلتا نهر «موبايل-تنساو»، بولاية ألاباما الأميركية، بالتنوع البيولوجي، إذ تبلغ مساحتها 300 ميل مربع من الأنهار والمستنقعات والغابات ومساحات المياه المفتوحة. وتعرف في ألاباما باسم «أمازون أميركا»، وهي تصدح بأصوات العصافير والحشرات المزدحمة المختلطة بأصوات ارتطام الماء.

آخر مرة ذهبت فيها إلى هذه الدلتا كانت في عام 2018، وأكثر ما أتذكره هو السلام الذي ينعم به عالم لم تمسه أيدي البشر، ولم يتضرر بفعل التجارة البشرية. ومع ذلك، كما هو الحال مع جميع الأماكن البرية التي تركناها، فإن هذه الدلتا الخلابة ليست نظيفة على الإطلاق. تحمل الأنهار التسعة التي تغذيها جميع الملوثات المعتادة التي نصبها بلا مبالاة في أنهارنا، سواء بشكل مباشر، أو من خلال جريان مياه الأمطار: الطمي، والجسيمات البلاستيكية الدقيقة، والمبيدات الحشرية، والنفايات الصناعية والزراعية، وغير ذاك.

مثل جميع دلتا الأنهار، تعمل «دلتا موبايل-تينساو» كنوع من المرشح الطبيعي، ولكن لا يوجد سوى عدد قليل جداً من الملوثات التي يمكن للدلتا امتصاصها، دون أن تتأثر. وكما كتب الصحفي «بن رينز» في كتابه الرائع «إنقاذ منطقة الأمازون الأميركية: التهديد الذي يواجه نظام الأنهار الأكثر تنوعاً بيولوجياً في أمتنا»، فإن ولاية ألاباما «تسبب ضرراً أكبر لأماكننا البرية أكثر من أي ولاية أخرى». إن أكبر تهديد لدلتا «موبايل-تينساو» هو محطة «جيمس إم باري» لتوليد الكهرباء التي تعمل بالفحم، والتي تقع على بعد حوالي 25 ميلاً شمال مدينة موبايل.

فمنذ عام 1965، قامت شركة ألاباما للطاقة (ألاباما باور) بتخزين رماد الفحم هناك في أحواض تخزين مبنية في منحنى متعرج في نهر موبايل. رماد الفحم - المعروف في الصناعة باسم بقايا احتراق الفحم، أو C.C.R. - هو النفايات الناتجة عن حرق الفحم لإنتاج الطاقة. وهو يحتوي على الزرنيخ والكادميوم والزئبق والسيلينيوم والمعادن الثقيلة الأخرى التي تشكل مخاطر صحية معروفة على الحياة البرية والبشر على حد سواء. وعندما تفشل برك رماد الفحم (وتسمى أيضاً حوض رماد الفحم أو الحجز السطحي، هي بنية هندسية تستخدم في محطات الطاقة التي تعمل بالفحم للتخلص من نوعين من منتجات حرق الفحم: الرماد المتطاير والرماد المتطاير. تستخدم البركة كدفن للوقاية من إطلاق الرماد المتطاير في الجو.)، تكون النتائج كارثية. لا يزال التسرب الذي حدث عام 2008 في كينجستون بولاية تينيسي، أحد أسوأ الكوارث البيئية في الولايات المتحدة. كما كتبت في عام 2022، قامت شركة «ألاباما باور» بإلقاء ما يقارب 22 مليون طن من رماد الفحم في أحواض التخزين في مصنع «باري».

البرك مفتوحة أمام عناصر الطبيعة ومحاطة بالمياه من ثلاث جهات، ولا يفصلها عن النهر سوى سد ترابي. وبما أن الطقس المتطرف الناجم عن تغير المناخ يؤدي إلى زيادة الأعاصير الأقوى من أي وقت مضى، فإن البرك معرضة بشكل متزايد للعواصف والفيضانات. إذا اُخْتُرِق السد، فإن تلك الحمأة السامة ستصب في نهر موبايل. وبالفعل، فإن البرك تسرّب معادن ثقيلة إلى المياه الجوفية.

هناك ما لا يقل عن 44 بركة رماد في ولاية ألاباما، وفقاً لتحالف أنهار ألاباما. لكن هذه القنبلة البيئية الموقوتة ليست فريدة من نوعها بالنسبة للدولة. هناك حفر وبرك لاحتواء رماد الفحم في جميع أنحاء البلاد، والغالبية العظمى منها تتسرب منها المياه. وفي المواقع الـ 265 المعروفة بتسرب السموم إلى المياه الجوفية، يتفق المسؤولون في نصفها فقط على ضرورة التنظيف. المرافق الأخرى، وبعضها في جنوب الولاية الحمراء، تعمل بالفعل على إزالة مئات الملايين من الأطنان من رماد الفحم المخزن حالياً بالقرب من المجاري المائية، إما بدفنها في مدافن النفايات الجافة المبطنة أو إعادة تدويرها إلى خرسانة. لكن خطة ألاباما باور لمحطة باري كانت منذ فترة طويلة تتمثل في تصريف المياه من البركة وتغطية الرماد في مكانه، أي دفنه فعلياً على ضفاف نهر موبايل. في شهر مايو الماضي، أعلنت وكالة حماية البيئة عن قاعدة جديدة من شأنها أن تجعل المرافق أكثر مسؤولية عن تلوث رماد الفحم.

وفي أغسطس، أبلغت الوكالة شركة ألاباما باور بأن خطتها فشلت في تلبية الحد الأدنى من المتطلبات الفيدرالية للتخزين الآمن لرماد الفحم، لكن الوكالة لم تصدر بعد رفضاً نهائياً للخطة. في سبتمبر 2022، رفع مركز القانون البيئي الجنوبي دعوى قضائية ضد شركة ألاباما باور نيابة عن منظمة «موبايل باي كيبرز» Mobile Baykeeper، وهي منظمة بيئية غير ربحية تعمل على حماية المياه والأراضي الرطبة في ولاية ألاباما الساحلية. وبعد مرور عام، سمح قاضي التحقيق للقضية بالمضي قدماً. لكن في الشهر الماضي، قام قاضٍ فيدرالي بإلغاء قرار المحكمة السابق، ورفض القضية لأن الحد الأقصى لبرك باري لن يكتمل قبل أغسطس 2030 على الأقل.

وكان الحكم بمثابة ضربة لمنظمة «موبايل باي كيبرز» التي تدرس الخيارات جميعها لاتخاذ مزيد من الإجراءات القانونية ضد ألاباما باور. لكن حكم القاضي الفيدرالي حمل في طياته بصيص أمل لدلتا نهر «موبيل-تينساو» وساحل ألاباما بأكمله: كانت شركة «ألاباما باور» تدخل في مفاوضات تسوية مع وكالة حماية البيئة. في 25 يناير، أعلنت شركة «ألاباما باور» عن شراكة مع شركة «إيكو ماتيريال تكنولوجيز» لبناء منشأة لإعادة تدوير رماد الفحم، والتي ستستخرج «كل» الملاط السام الموجود في أحواض باري لاستخدامه في صناعة الخرسانة. استقبلت منظمة «موبايل باي كيبرز» الأخبار بتفاؤل حذر، وقالت: «هذه الخطوة يمكن أن تغير قواعد اللعبة في حماية التنوع البيولوجي الغني في منطقة الأمازون الأميركية والحفاظ على صحة أولئك الذين يعيشون ويعملون ويلعبون في اتجاه مجرى النهر».

مارجريت رينكل*

*كاتبة مساهمة في صحيفة نيويورك تايمز.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»