على المستوى الفردي، نحن نعشق أطفالنا وندللهم، ونتنقل بهم من ممارسة كرة القدم إلى دروس الموسيقى، ثم ننظم مواعيد لعبهم باهتمام شديد. ومع ذلك، فإننا بشكل جماعي، نسيء معاملة الأطفال في أميركا، خاصة بمعايير الدول الغنية الأخرى. عندما نصوغ سياسات للأطفال ككل بدل تدليل صغارنا، فإننا نفشل بشكل فاضح. نحن نكن الإعزاز للأطفال بشكل مجرد، لكننا كمجتمع نميل إلى تجاهل احتياجاتهم.

ومن المرجح أن يعاني الأطفال الجوع أو الفقر في أميركا أكثر من معظم البلدان المماثلة لنا، كما أنهم أكثر عرضة للوفاة؛ بسبب المخدرات والأسلحة والحوادث ونظام الرعاية الصحية غير العادل.وببساطة، لو كان لدى الولايات المتحدة معدلات الوفيات نفسها بين الشباب مثل بقية العالم الغني، لكان بإمكانها إنقاذ حياة ما لا يقل عن 40 ألف أميركي سنوياً في سن 19 عاما أو أقل، وفقاً لستيفن وولف، خبير الصحة السكانية في جامعة فرجينيا كومنولث.

بتعبير آخر، يموت طفل أميركي كل 13 دقيقة تقريباً؛ لأن أداءنا فيما يتعلق بحماية أطفالنا دون المستوى مقارنة بأقراننا. والأمر يزداد سوءاً، إذ أخبرني وولف أن فرص الطفل الأميركي في الوصول إلى مرحلة البلوغ تراجعت في السنوات الأخيرة. هذه هي القضايا التي يجب أن تكون محورية في المعارك بين «الديمقراطيين» و«الجمهوريين» في هذا العام الانتخابي. لكنها ليست كذلك، لأن الأطفال لا يصوتون. ولا تقتصر العواقب على الأطفال ذوي الدخل المنخفض الذين يعيشون على الهامش.

ولا يمكن لبلد ككل أن يزدهر عندما يتخلف الكثير من الناس عن الركب. إن ما ميز الولايات المتحدة لأكثر من قرن من الزمان، وساعدها على التحول إلى الاقتصاد الرائد على الصعيد العالمي هو التعليم الجماهيري القوي الذي شمل الالتحاق على نطاق واسع بالمدارس الثانوية والكليات، حتى في الوقت الذي كان فيه أداء بعض الدول الأوروبية أفضل فيما يتعلق بتعليم النخبة. لكن على مدى الخمسين عاماً الماضية، تعثرنا في دعم وتعليم الأطفال بشكل عام مع تقدم بلدان أخرى في هذا المجال.

لقد حاولنا إصلاحَ المشاكل في الفترة الأخيرة، مع نظام عدالة الأحداث أو نظام العدالة الجنائية، أو مع تلك التنبيهات للبحث عن المتاجرين بالبشر.. لكن لدينا هياكل فاشلة بالكامل، مثل الحضانة. ذلك أن أقل من 5% من الشباب الذين أمضوا وقتاً في نظام الرعاية البديلة يتخرجون في كلية مدتها أربع سنوات. وتشير العديد من الدراسات إلى أن ما يصل إلى 60% من الناجين من الاتجار بالبشر كانوا في هذا النظام.

لكن متى كانت آخر مرة سُئل فيها أحدُ السياسيين عن كيفية إصلاح نظام الرعاية البديلة؟ لقد كنتُ أفكر في هذا الأمر؛ لأنني شاركت مؤخراً في قمة أطفال وعائلات أميركا التي استضافتها منظمة «كومون سينس ميديا» Common Sense Media. يريد «جيمس ستاير»، مؤسس المجموعة، دفع الأطفال إلى الأجندة المحلية والولائية والوطنية هذا العام، ولعلها «مسيرة مليون طفل» في واشنطن، بحيث يضطر المرشحون السياسيون إلى الإجابة عن أسئلة حول عدم اهتمامنا برفاهية الأطفال. وفي الجلسة الختامية للقمة، تحدث عدد قليل منا عن الشكل الذي قد تبدو عليه الأجندة المناصرة للطفل، وإليكم اقتراحاتي بهذا الخصوص: إعداد برنامج رعاية مبكرة للطفل مصمَّم على غرار البرنامج الموجود في الجيش الأميركي.

إذا تمكنت قواتنا المسلحة من تشغيل برنامج لرعاية الأطفال برسوم تعتمد على القدرة على الدفع، فإن بقية البلاد يمكنها ذلك أيضاً. ينقذ برنامج الطفولة المبكرة الذي تدعمه الحكومة الآباء والأطفال على حدٍ سواء. وفي العام الماضي، كان طفل واحد تقريباً من كل 6 أطفال يعيش مع أحد الوالدين الذي يتعاطى المخدرات، ويمكن لبعض هؤلاء الأطفال العثور على شريان الحياة في برنامج عالي الجودة مثل برنامج «إديو كير» Educare الذي يقوم أيضاً بتدريب الآباء.

وتنفق الدول الغنية الأخرى في المتوسط نحو 29 ضعف ما تنفقه الولايات المتحدة على رعاية كل طفل صغير. إن توسيع الائتمان الضريبي للأطفال القابل للاسترداد للحد من فقر الأطفال، وقد قدمت معظم الدول الغنية الأخرى علاوةً شهرية للطفل لانتشال الأطفال من الفقر، وتبعتها الولايات المتحدة في عام 2021 بإعفاء ضريبي قابل للاسترداد للأطفال. وكان هذا نجاحاً هائلاً ساعد على خفض فقر الأطفال إلى النصف تقريباً وهي واحدة من أنجح السياسات. ثم تسببت المعارضة «الجمهورية» في انتهاء البرنامج في نهاية عام 2021، وارتفع فقر الأطفال إلى عنان السماء مرة أخرى.

تشكيل هيئة تنظيمية جديدة للإشراف على شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الجديدة، تماماً كما تشرف لجنة الاتصالات الفيدرالية على وسائل الإعلام القديمة. وقد دافع السيناتور «مايكل بينيت»، من كولورادو، عن هذه الفكرة، وأصبحت ملحة مع تزايد الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي مثل تيك توك والذكاء الاصطناعي في حياة الأطفال. ويواجه الصغار بالفعل أزمةً في الصحة العقلية تبدو مرتبطة بانتشار الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي. لا أريد المبالغة في التنظيم، لكن شركات التكنولوجيا تحتاج إلى الرقابة في أثناء سعيها لتحقيق الأرباح المالية من أطفالنا.

ويتعين إدخال تحسينات على التعليم من مرحلة الروضة حتى الصف الرابع عشر لتمكين كل طفل من تعلم القراءة والكتابة والحساب والتخرج من المدرسة الثانوية، والانضمام كلما أمكن إلى كلية أو التدريب العسكري أو الفني. إن الأطفال الأميركيين غير أكفاء بشكل خاص في الرياضيات على نحو يعيق بلدنا بأكمله. وإذا كانت حتى ولاية ميسيسيبي، التي تعاني فقراً غير معقول بين الأطفال، قد تمكنت من التركيز على القراءة ورفع النتائج التعليمية بشكل كبير، فلن يكون لدى أي ولاية عذر لترك الطلاب يفشلون. إن أفضل مقياس لمستقبل المجتمع هو مدى جودة تنشئة جيله القادم. لذا، دعونا ننظر في هذا العام الانتخابي إلى ما هو أبعد من السباق السياسي والحرب الثقافية لاستجواب المرشحين حول سياساتهم تجاه الأطفال.. ومن ثم مستقبل بلادنا

. نيكولاس كريستوف*

*كاتب أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»