عاماً بعد آخر، ترتقي دولة الإمارات في مؤشرات التنافسية، وتعزز خطواتها في ترسيخ مبادئ المؤسسية والحوكمة ومكافحة الفساد بشتى أنواعه. هذا ما أكدته أحدث نتائج مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية في تقريرها الصادر في فبراير 2024، فمن بين 180 دولة شملها المؤشر لم يقتصر الإنجاز الإماراتي الجديد على ارتفاع الدولة مرتبة إضافية مقارنة بعام 2022، لتصبح رقم 26 عالمياً، لكنه تمثل أيضاً في حلولها في المرتبة الأولى إقليمياً، مع تحسن واضح في درجة مكافحة الفساد التي حصلت عليها، وبفارق ملحوظ يبلغ 6 نقاط مئوية عن الدولة صاحبة المرتبة الثانية في الإقليم.
وبينما تعني هذه النتائج المتميزة أن بيئة الأعمال الوطنية في دولة الإمارات تزيد من تنافسيتها فيما يتعلق بسلامة الممارسات المتعلقة بالمال العام، فإنها تعكس كذلك التقدم الكبير المنجز في مجال تعزيز الحوكمة وأسس العمل المهني في مختلف القطاعات.
ولا شك أن التقلبات والأزمات التي أثرت سلباً على النمو الاقتصادي العالمي، والفساد المالي المنتشر في العديد من دول العالم وفق تأكيدات منظمة الشفافية الدولية، دعت الحكومة الإماراتية لتسريع جهودها في مجال الحوكمة المؤسسية، لحماية اقتصادها من هذه المخاطر الدولية، ودعماً لقدرته على الصمود في مواجهة التقلبات والأزمات لتعزيز نموه الشامل والمستدام.
ورغم أهمية هذه العوامل في تسريع الجهود الوطنية لمكافحة الفساد، فإن السبب الرئيسي الذي يفسر التحسن المستمر لقدرات دولة الإمارات في النزاهة والشفافية هو الدعم الكامل الذي توليه القيادة الرشيدة، على كافة المستويات، لبرامج وسياسات الحوكمة والشفافية، والتي تجلت مؤخراً في تأسيس جهاز الإمارات للمحاسبة، وتبعيته المباشرة لصاحب السمو رئيس الدولة، والتي تستهدف تعزيز المسيرة الوطنية لحماية المال العام.
ويمكن القول إن مكاسب دولة الإمارات من ارتقاء مكانتها في مؤشر مدركات الفساد تتمثل في ازدهار سمعتها وقوتها الناعمة دولياً وزيادة جاذبيتها للاستثمارات الأجنبية، لما لذلك من تأثير إيجابي على النمو الاقتصادي بشكل عام، حيث تشير التقديرات إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بمعدل قياسي بلغ 5.9% خلال عام 2023 باعتباره أحد النتائج المباشرة لنجاح السياسات العامة للحكومة في إدارة الاقتصاد من خلال تعزيز الشفافية في بيئة الأعمال على مستوى الدولة.
ومما لا شك فيه أن التنويع الاقتصادي الذي يقع على رأس الأولويات الاستراتيجية للدولة، لم يكن ليُكتب له الازدهار بهذا المعدل المتسارع بدون النجاح في القضاء على البيروقراطية المقيدة لبيئة الأعمال، ومواجهة أية مظاهر للفساد المعطل لحوافز الاستثمار في القطاعات الإنتاجية المختلفة، سواء كانت صناعية أو زراعية أو خدمية.
وبالنظر إلى جهود وسياسات المستقبل، فإن الإيمان الراسخ للحكومة بالأهمية الفائقة لمكافحة البيروقراطية والروتين في القضاء على بواعث الفساد قد ظهر في البرنامج الجديد لتصفير البيروقراطية الحكومية الذي أطلقه مؤخراً صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، وفي الوقت الذي يهدف فيه هذا البرنامج لإلغاء 2000 إجراء حكومي، وتقليل مدة الخدمات الحكومية بنسبة 50%، وإعادة هندسة مئات الخدمات الحكومية بصورة رقمية، وتصفير جميع الاشتراطات والمتطلبات غير الضرورية خلال عام، فإنه يضمن أن تصل الكفاءة الحكومية إلى أعلى إمكاناتها وأن تقل احتمالات حدوث الفساد إلى أدنى درجاتها.
ومن المؤكد أن الإنجازات المنتظرة من جهاز الإمارات للمحاسبة ومن برنامج تصفير البيروقراطية الحكومية خلال العام 2024 ستنعكس مباشرة على استمرار ارتقاء منزلة الإمارات في مؤشر مدركات الفساد للعام المقبل، ما يعني المزيد من مكاسب النمو والصدى الإيجابي للاقتصاد الوطني محلياً ودولياً.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية