عندما أصر دونالد ترامب، على الرغم من كل الأدلة التي كانت تشير إلى العكس، على أنه فاز في انتخابات 2020 «بفارق كبير»، لم يكن ذلك مجرد دفاع نفسي ضد حقيقة هزيمته، وإنما تكتيك سياسي ماكر، وإن كان لا يخلو من تهور، حافظ على قدرته السياسية على البقاء في الحزب «الجمهوري» ومنعه من الظهور بمظهر الخاسر. وفي الأثناء، لم يجرِ «الجمهوريون» أي نقاش عاد حول الأخطاء التي وقعوا ومرشحهم فيها خلال حملتهم الفاشلة، نقاش كان ينبغي أن يتناول عيوب شخصية ترامب، وردّ فعل الجمهور عليها.

وقد رأى الجميع نتائج ذلك في نيوهامبشر يوم الثلاثاء، إذ انقسم الناخبون في سباق الحزب «الجمهوري» على أنفسهم إلى نصفين متساويين تقريباً حول ما إن كان الرئيس بايدن قد فاز بشكل شرعي في المرة الأخيرة. ولو كانت الانتخابات التمهيدية تقتصر على «الجمهوريين» فقط، فإنه من شبه المؤكد أنه كانت ستكون هناك أغلبية قوية تؤيد الرأي القائل بأن ترامب هو الفائز، وأنه كان ضحية للغش.

«الجمهوريون» المنتخَبون الذين لم يريدوا أن يكون ترامب هو المرشح لم يطعنوا في روايته حول انتخابات 2020 خلال السنوات الثلاث الماضية، أو شجعوها حين سمحوا لشكاوى معقولة بشأن إجراءات التصويت والتغطية الإعلامية بالتغطية على تخاريف ترامب حول تدخل فنزويلي مزعوم في أجهزة التصويت وما شابه ذلك.أولئك السياسيون تمكنوا من الترشح مرة أخرى للانتخابات مع ترامب ويتظاهرون بالسرور لذلك. صحيح أن «نيكي هالي» أبدت تحدياً الليلة الماضية، ولكن السباق «الجمهوري» انتهى في الواقع.

فقد خسرت في ولاية -- نيوهامبشر – يمكن القول إنها كانت مصممة لترشحها: ذلك أنها ولاية مليئة بالناخبين العلمانيين، ويوجد فيها مستقلون يحق لهم التصويت في الانتخابات التمهيدية، وتحظى فيها «هالي» بدعم الحاكم. وقبل ثمانية أيام على ذلك، خسر «رون ديسانتيس» في ولاية آيوا، وهي ولاية كانت تبدو مناسبة له تماما. والآن ستتعالى الأصوات أكثر بأن على «هيلي» الآن أن تحذو حذو «ديسانتيس»، وتخرج من السباق وتدعم دونالد ترامب. الفكرة من وراء هذه الضغوط هو أنه كلما توحّد الحزب مبكراً، ازدادت احتمالات فوز ترامب في نوفمبر.

وهذا التفكير معقول ولا غبار عليه عموماً، غير أن ترامب قد يبدأ في الظهور بمظهر الضعيف بمجرد انطلاق السباق الانتخابي مع بايدن بشكل جدي. ذلك أن القضايا المرفوعة ضده في المحكمة ستتواصل. هذه القضايا ساعدته مع الناخبين «الجمهوريين» في الانتخابات التمهيدية، غير أنه في استطلاعات رأي شملت الناخبين لدى خروجهم من مكاتب الاقتراع، أشارت نسبة كبيرة منهم -- بمن فيهم ناخبوه – إلى أن أي إدانات جنائية ستجعله غير مؤهل للرئاسة. صحيح أن بعض هؤلاء الناخبين قد لا يتنبؤون بسلوكهم على نحو دقيق، ولكن يكفي أن ينشق جزءٌ صغيرٌ منهم لكي يغرق ترامب. وفضلاً عن ذلك، فإن ترامب استفاد أيضاً من تراجعه قليلاً عن الخطوط الأمامية لانتباه الجمهور. فالأشخاص العاديون لم يقرأوا منشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي ولا قرأوا عنها، ولكن هذا سيتغير، بسبب وسائل الإعلام وكذلك بسبب إعلانات «الديمقراطيين».

وكلما ازداد عدد الناخبين الذين يشاهدون ترامب، تذكّر الكثير منهم ما لا يعجبهم فيه. والواقع أنه منذ أن أعلن ترامب ترشحه في 2015 لم تخلُ كل الانتخابات الوطنية من أغلبية مناهضة له، أغلبية كانت لديها قوة انتخابية كافية للفوز إلى حد كبير في 2018 و2020 و2022. أما في المرة الوحيدة التي فاز فيها -- في 2016 -- فقد حدث ذلك لأن الأغلبية لم تصدّق أنه قادر على الفوز. ولكن هذا التقاعس لن يكون موجوداً في نوفمبر المقبل. ثم إن ترامب تدهور كمرشح منذ فوزه قبل ثمانية أعوام.

 

وخلاصة القول، إن النخب «الجمهورية» عديمة المسؤولية في جبنها تجاه ترامب. وبايدن اختار الترشح على الرغم من استطلاعات الرأي، بعد أن اختار في وقت سابق نائبة للرئيس لا يرغب «الديمقراطيون» في أن تحل محله. والنتيجة أن الانتخابات التمهيدية انتهت بالفعل، ولكن الانتخابات العامة لن تنتهي بسرعة!

*كاتب وباحث أميركي زميل «معهد المشروع الأميركي»

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيشن»