في سياق تعزيز وجودها الاقتصادي في قارة أفريقيا، أبرمت دولة الإمارات في نهاية عام 2023 اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة مع «موريشيوس»، كما تم الاتفاق على بنود اتفاقيات مماثلة مع كل من كينيا والكونغو برازافيل.
تأتي هذه الشراكات ضمن النجاحات التي حققها برنامج اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة في الإمارات خلال عام 2023، والمستمرة منذ إطلاق البرنامج عام 2021 (تم توقيع 10 اتفاقيات مع 10 دول في أربع قارات).
ويؤكد تزايد اهتمام الإمارات بتطوير علاقاتها الاقتصادية مع دول أفريقيا رغبتها في تحقيق الاستفادة المشتركة من أهمية التجارة والاستثمارات الإماراتية لهذه الدول، وكذلك اهتمام الإمارات بتطوير مصالحها الاقتصادية في تلك الدول.
وتعكس بيانات التجارة والاستثمار مدى انخراط الإمارات في الاقتصاد الأفريقي، حيث ارتفع التبادل التجاري مع دول القارة إلى نحو 80.5 مليار دولار في عام 2022، من 71.24 مليار في عام 2021 وبنسبة نمو بلغت 13%. كما أن الإمارات هي رابع أكبر مستثمر في أفريقيا خلال السنوات 2012- 2022، بعد الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وقد بلغت الاستثمارات الإماراتية في أفريقيا نحو 60 مليار دولار، وتتركز في قطاعات: البنية التحتية والتعدين والخدمات اللوجستية. في هذا السياق تعد الإمارات أكثر الدول الخليجية نشاطاً في السوق الأفريقي، وتستحوذ على نحو 88% من الاستثمارات الخليجية في القارة.
من الجدير بالذكر أن ملاحظة مواقع الدول الداخلة ضمن اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة (الحالية، والمستقبلية)، يوضح مدى تنوع وتوزع المصالح الاقتصادية للإمارات في قارة أفريقيا من شرقها إلى غربها. في هذا السياق تأتي الاستثمارات الإماراتية في أفريقيا في دول تتمتع بميزات تنافسية في القطاعات محل اهتمام دولة الإمارات، حيث تستثمر الإمارات في قطاع الموانئ في مصر، خاصة بالموانئ التابعة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس (منها: موانئ العين السخنة وبورسعيد وسفاجا) والتي تتمتع بموقع استراتيجي حيوي على البحر الأحمر والقريبة من منطقة القرن الأفريقي، وذات البنية التحتية اللوجستية المتميزة، والتي تضم منطقة اقتصادية تستثمر بها كبرى الدول مثل: الصين وروسيا.
لتحقيق تكامل الاستثمارات الإماراتية في شرق أفريقيا، تستثمر الشركات الإماراتية بموانئ المنطقة، ومنها ميناء «مومباسا» في كينيا، و«دار السلام» في تنزانيا من خلال اتفاقيات إدارة وتشغيل الميناء لمدة 30، وضخ استثمارات مبدئية تقدر بنحو 250 مليون دولار لتطوير كفاءة عمليات ومرافق الميناء.
تعمل الإمارات على تعزيز صناعاتها المحلية من خلال استثماراتها في قطاع التعدين في أفريقيا، ومنها استثمارات لاستخراج خام «البوكسيت» من غينيا (ثالث أكبر منتج بالعالم، والأول في أفريقيا) ضمن مشروعها التابع لشركة الإمارات العالمية للألمنيوم.
كما تعزز دولة الإمارات قدراتها لتحقيق أعلى مستويات الأمن الغذائي من خلال مشروعاتها الزراعية في مختلف دول القارة ذات الموارد الزراعية المتميزة (الأرض والعمالة والمناخ ومصادر المياه) ومنها: مصر والسودان وإثيوبيا والمغرب، ما أسهم في وجود الإمارات بالمرتبة 23 ضمن 113 دولة في مؤشر الأمن الغذائي العالمي لعام 2022 (الأولى بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا).
ومما لا شك فيه أن تقاطع المسار الاستثماري والتجاري مع مسار المساعدات الخارجية الإماراتية (التنموية والإنسانية والخيرية)، والتي استحوذت أفريقيا على نحو 50% منها خلال الفترة من 2012 و2022 يدعم الوجود الاقتصادي الإماراتي في أفريقيا، ويعزز الصورة الإيجابية للدولة لدى المجتمعات المحلية في هذه الدول.
والمؤكد أن التوجهات الاستراتيجية الاقتصادية للإمارات في أفريقيا تعد جزءاً من توجه أشمل يعتبر نهجاً ثابتاً للدولة في إطار جهودها لتحقيق مصالحها الاقتصادية مع مختلف دول العالم.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية