تحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، انطلقت أمس الخميس، أعمال المنتدى الاستراتيجي العربي تحت عنوان «حالة العالم العربي، سياسياً واقتصادياً 2024»، بمشاركة نخبة من المسؤولين من مختلف أنحاء العالم، إضافة إلى خبراء استراتيجيين وقادة الفكر في السياسة والاقتصاد.
وما يزال المنتدى منعقداً أثناء كتابة هذه السطور، وقد قرأت كلمة الافتتاح التي ألقاها معالي محمد بن عبد الله القرقاوي وزير شؤون مجلس الوزراء رئيس المنتدى الاستراتيجي العربي، وفيها قام بعملية رصد للتحولات الأساسية في المشهد الاستراتيجي بالمنطقة والعالم، كما طرح تساؤلات حول مستقبل المنطقة وتداعيات الحرب في غزة على فرص السلام ومخاطر الحرب. ببساطة، ومن دون تعقيدات إنشائية مفرطة في البلاغة، عرض رئيس المنتدى بتكثيف واضح ثلاثة تحولات أساسية في المشهد الاستراتيجي للمنطقة والعالم، لخصها فيما يلي:
1 - تطورات القضية الفلسطينية والحرب في غزة
2 - بروز دور الخليج قوة اقتصادية كبرى وشريكاً مؤثراً في القضايا العالمية
3- استقطابات فكرية ودينية وسياسة واجتماعية على مستوى العالم
تلك التحولات الثلاثة الأكثر أهمية بالفعل، والتي يمكن الانطلاق منها لقراءة القادم، والبناء عليه في اجتراح الحلول وابتكار السياسات للخروج من الأزمات الإقليمية.
تطورات القضية الفلسطينية، والحرب في غزة كان لها أثرها العميق في تحريك الساكن منذ عقود، أو ما تمت تسميته اصطلاحاً بالوضع الراهن الذي لم يعد راهناً، كما أن هذا التحول قلب الطاولة وخلط الأوراق، ما يحفز على التفكير بطرق ومنهجيات جديدة تؤكد ضرورة السلام كحالة حيوية للاستقرار والأمن المطلوبين في إعادة صياغة عالمنا القادم الذي تغيرت مفرداته من تكتلات إلى تحالفات تتكامل في التنمية والاقتصاد.
التحول الثاني هو بروز دول الخليج قوة اقتصادية كبرى وشريكاً مؤثراً في قضايا العالم، وتلك حقيقة لم يعد طرحها بحاجة إلى إثبات، فقد استطاعت الدول الخليجية فعلاً، عبر التعليم عالي الجودة، تمكين طاقاتها البشرية من النهوض التنموي الشامل، كما استطاعت توظيف ثرواتها في اكتساب التكنولوجيا والمعرفة وفي انتهاج السياسة كقوة مؤثرة وفاعلة في العالم.
لا يمكن التحدث حالياً عن مشاريع تكاملية بدون المرور على الخليج كقوة وصل وتواصل مهمة، لا من ناحية الجغرافيا السياسية وحسب بل أيضاً بالنظر إلى القوة الناعمة المؤثرة لتلك المنظومة التي استطاعت أن تجد لها مكاناً بارزاً في العالم.
التحول الثالث، وهو أيضاً مهم ولافت، يتعلق بالاستقطابات الفكرية والدينية والسياسية والاجتماعية على مستوى العالم، وهو تحول التقطه المنتدى وتتعين دراسته بعمق، وهو ذلك المتعلق بحدوث انزياحات حادة نحو اليمين المتطرف أو اليسار النيوليبرالي المضاد له، لها أثرها في التغييرات العالمية الاقتصادية والسياسية وفي صناعة القرار في العالم.
هذا عالم متغير، وتجب قراءته بمفردات جديدة تتناسب والثورة الرقمية وتكنولوجيا المعرفة فيه، خصوصاً بعد ما لمسه الكوكب كله من آثار عميقة نتجت عن أزمتين: جائحة كورونا التي رسخت ضرورة التكامل الإنساني للخروج من الجائحات المحتملة، وأزمة أوكرانيا التي كشفت هشاشة القواعد التقليدية القديمة في سلاسل التزويد في هذا العالم.
وما يزال الكثير في المنتدى لا بد من قراءته وهو ثري بلا شك.

*كاتب أردني مقيم في بلجيكا