وعد جو بايدن، خلال حملته الانتخابية، باستعادة مكانة الولايات المتحدة وزعامتها في الخارج، غير أن دعم إدارته القوي لإسرائيل في وقت تدمّر فيه هذه الأخيرة غزة وتقتل المدنيين الفلسطينيين بشكل عشوائي يمثّل أحدثَ تذكيرٍ بأن الحكومة الأميركية، سواء بقيادة «ديمقراطي» أو «جمهوري»، كثيراً ما تسيء التقدير في الشؤون الخارجية، وليست المدافع القوي عن الديمقراطية والحرية كما تدعي. 
والواقع أنه لطالما كان هناك خلافٌ حول ما إن كانت الولايات المتحدة تلعب دوراً إيجابياً في الشؤون العالمية. ففي السنوات الأخيرة، ساهم قرارا أميركا بغزو العراق وانتخاب دونالد ترامب رئيساً في إضعاف الحجة القائلة بأن لدى الولايات المتحدة أخلاقاً وقيماً قويةً تنتصر لها وبالتالي فإنه يجدر بالدول الأخرى أن تتبع قيادتها في شؤون العالم. 
بايدن، الذي يجرّ خلفه عقوداً من الخبرة والعلاقات مع القادة حول العالم، بدا كما لو أنه قادر على أن يكون ليس مجرد رئيس أحسن مقارنة مع ترامب، بل رئيساً عظيماً في السياسة الخارجية. والحق أنه قام ببعض الأشياء الجيدة. ومن ذلك، مثلاً، أن الولايات المتحدة قادت في عهده ائتلافاً لمساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها بعد الغزو الروسي، وذلك في إطار جهود الإدارة الحالية من أجل «نظام دولي قائم على القواعد»، تحترم فيه الدول حول العالم القانونَ الدولي والهيئات العالمية مثل الأمم المتحدة. 
ولكن الشهرين الماضيين شهدا عدداً من الأمثلة البارزة على سوء التقدير التي تمحو الذكريات الإيجابية لسياسات بايدن الخارجية - ربما للأبد. فأولاً، أوضحت الولايات المتحدة أنها لن تدافع عن القواعد والأعراف الدولية في حال انتُهكت من قبل أحد أقرب حلفائها. وإذا كان المسؤولون الأميركيون ندّدوا بروسيا بشدة بسبب قصفها مدارس ومباني سكنية في أوكرانيا، فإنهم لم ينتقدوا إسرائيل بالقدر نفسه، أو حتى بقدر قريب منه، بسبب قيامها بالشيء نفسه في غزة. فكل يوم، تُصدر «منظمة العفو الدولية» و«أطباء بلا حدود» و«هيومن رايتس ووتش» والعديد من المنظمات الأخرى تقارير وبلاغات تبيّن كيف تنتهك الأعمال العسكرية الإسرائيلية القانونَ الدولي، وتؤدي إلى قتل الأطفال والجوع الجماعي وتدمير مؤسسات كبيرة للثقافة والسلطة الفلسطينية ونزوح مئات الآلاف من الأشخاص.
وفي مقال بصحيفة «نيويورك تايمز» هذا الأسبوع، كتب قادة منظمة «اللاجئين الدولية» والفرع الأميركي من منظمة «إنقاذ الطفولة» وأربع منظمات إنسانية كبيرة أخرى أنه «لم يسبق للمدنيين في أي حرب أخرى يمكن أن نفكر فيها أن كانوا محاصَرين لهذا الحد، دون أي سبيل أو خيار للهرب من أجل إنقاذ أنفسهم وأطفالهم».
وفي غضون ذلك، بدأ المسؤولون الأميركيون يشتكون علناً بشأن عدد المدنيين الذين يُقتلون، ومن ذلك تعليق لبايدن هذا الأسبوع كان من بين أكثر التعليقات انتقاداً لإسرائيل منذ أن أطلقت حملتها العسكرية في غزة. غير أن الإدارة الأميركية مستمرة في تقديم الدعم العسكري والدبلوماسي لإسرائيل، وهي أشياء أهم من الكلمات. فالأسبوع الماضي، التفّت إدارة بايدن على الكونجرس وباعت لإسرائيل بشكل أحادي ما قيمته 100 مليون دولار من ذخيرة الدبابات. وهذا الشهر، كانت الولايات المتحدة الدولةَ الوحيدةَ من بين الدول الـ 15 الأعضاء في مجلس الأمن الدولي التي عارضت مشروع قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة. وفي الأثناء، اعترف مسؤولون من إدارة بايدن مؤخراً لصحيفة «واشنطن بوست» بأنهم «لا يقومون بتقييمات في الزمن الحقيقي لمدى التزام إسرائيل بقوانين الحرب»، على حد تعبير الصحيفة (يذكر هنا أن الحكومة الأميركية أعلنت استنتاجها بأن روسيا ترتكب جرائم حرب بعد شهر واحد فقط من غزو أوكرانيا).
وعلى غرار كثير من الأميركيين، فإنني لا أتابعُ الشؤون الخارجية عن كثب مثلما يفترض بي أن أفعل على الأرجح. ذلك أنني كنتُ أفترض بشكل عام أن الولايات المتحدة تلعب دوراً إيجابياً عموماً في الخارج، ولاسيما مع وجود بايدن في الرئاسة. غير أن مشاهدة مسؤولين أميركيين كبار يتبنون مقاربة معيبة جداً ثم يدلون بتصريحات مضللة بشأنها جعلني أكثر قلقاً وتشككاً إزاء تصرفات أميركا في أجزاء أخرى من العالم. وإذا كان فريق بايدن مراوغاً بشأن ما يحدث في غزة إلى هذا الحد، فهل أثق في كلماته بشأن أوكرانيا أو السودان أو الصين؟ 
وإنصافاً لإدارة بايدن، ينبغي أن أعترف بأن هذه ليست قضية بسيطة. فحتى لو قررت الولايات المتحدة سحب دعمها الدبلوماسي لإسرائيل، فإن الحكومة الإسرائيلية قد تُواصل عملياتها في غزة. كما أنه من غير الواضح كيف يمكن إضعاف «حماس» بشكل دائم تفادياً لتكرار هجوم مروع مثل الهجوم الذي وقع في السابع من أكتوبر مرة أخرى. على أن الطريق إلى السلام الدائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين يبدو أقل وضوحاً من ذلك. 
بيد أنه سيكون من السهل والمنطقي بالنسبة للولايات المتحدة أن تنضم إلى الدعوات الصادرة من حول العالم لوقف إطلاق النار والتوقف عن تزويد إسرائيل بمزيد من الأسلحة. فكل يوم تواصل فيه الولايات المتحدة دعم أعمال إسرائيل في غزة يتسبب في تآكل المزيد من مصداقية أميركا في الشؤون الخارجية. 
وبالنظر إلى أنها تجمع القوة العسكرية والثقافية والسياسية، تُعد الولايات المتحدة الدولة الأكثر أهميةً ونفوذاً في العالم. والأكيد أن الولايات المتحدة تستطيع أن تقود العالم في اتجاه أفضل، غير أن الناس لا يستمعون إليك حينما تتخذ قرارات سيئة باستمرار - ولا ينبغي لهم أن يفعلوا. وخلاصة القول إن الولايات المتحدة ترتكب حالياً أخطاء فادحة بخصوص موضوع كبير يتعلق بالسياسة الخارجية، مرة أخرى!

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سيندكيشن»