قبل أربعة أيام، احتفل العالم باليوم العالمي لحقوق الإنسان، الذي يوافق العاشر من ديسمبر، وهو التاريخ الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العام 1948. هذا الإعلان أهم وثيقة حقوقية تناولت حقوق الإنسان من منظور عالمي، وعززت مفهومي الكرامة وعدم التمييز، وما يرتبط بهما من قيم، كالمساواة والعدالة، وسيادة حكم القانون.

احتفال هذا العام يصادف الذكرى الخامسة والسبعين لاعتماد الإعلان، ويسهم في التذكير بأهمية احترام حقوق الإنسان، ويشحذ الهمم من أجل بناء عالم يعزز، ويحترم ويحمي حقوق الإنسان. ظل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مصدر إلهام لجميع الاتفاقيات والبروتوكولات والإعلانات والمبادئ التوجيهية ومدونات السلوك، ولدساتير العديد من دول العالم بما فيها الإمارات العربية المتحدة.

وتولي دولة الإمارات ومنذ تأسيسها في العام 1971 أهمية كبيرة لتعزيز وحماية حقوق الإنسان على الصعيد الوطني، مستمدة ذلك من تراثها الثقافي، وقيمها الدينية، ودستورها ومنظومتها التشريعية، التي تعزز مبادئ عدم التمييز والعدالة والمساواة واحترام الحقوق ودعم العمل الإنساني والإغاثي، تماشياً مع المبادئ السامية التي نادى بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وهذا ما أكّده صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بقوله: «إن شعب دولة الإمارات محور اهتمام الدولة وعلى قمة أولوياتها منذ نشأتها، وسيظل منهج سعادة المواطن ورعايته الأساس في كل خططنا نحو المستقبل»، حيث ذكر صاحب السمو: «تشاركنا أكثر من 200 جنسية بفاعلية ونشاط في نمو اقتصادنا وتطوره»، ليؤكّد أن الدولة ستستمر في نهجها الراسخ في تعزيز جسور الشراكة والحوار، والعلاقات الفاعلة والمتوازنة القائمة على الثقة والمصداقية والاحترام المتبادل مع دول العالم لتحقيق الاستقرار والازدهار للجميع.

وتعد دولة الإمارات طرفاً في عدد من الاتفاقيات الدولية الأساسية لحقوق الإنسان، وهي الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، واتفاقية حقوق الطفل، والبروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال واستغلالهم، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، واتفاقية مناهضة التعذيب، وغيره من ضروب المعاملة، أو العقوبة القاسية، أو اللاإنسانية أو المهينة.

وخلال الخمس سنوات الأخيرة، حرصت دولة الإمارات على تعزيز وتطوير منظومتها التشريعية، ومواصلة جهودها الوطنية نحو حماية حقوق الإنسان، حيث اعتمدت الدولة عدداً من التشريعات المهمة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، مراسيم بقوانين، وقوانين اتحادية بشأن الحماية من العنف الأسري، والإعسار، وحماية الشهود ومن في حكمهم، والصحة العامة، والإجراءات المدنية، والأحداث الجانحين والمعرضين للجنوح، ومجهولي النسب، والإجراءات الجزائية وتنظيم علاقات العمل وعمال الخدمة المساعدة، والأحوال الشخصية لغير المسلمين والمعاملات المدنية والإجراءات الجزائية، والعقوبات ومكافحة الاتجار بالبشر. كما تقوم دولة الإمارات في الوقت الراهن بمراجعة عدد من التشريعات، كقانون المطبوعات والنشر، وقانون حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، وذلك بغرض مواءمتها مع التزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان.

وتحرص دولة الإمارات على تعزيز وتطوير بنيتها المؤسسية لحقوق الإنسان، وفي هذا الإطار، أنشأت الدولة اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان في شهر أكتوبر 2019، وتعد اللجنة حلقة الاتصال والتنسيق بين جميع أجهزة الدولة المعنية بشؤون حقوق الإنسان. كما أصدرت الدولة القانون الاتحادي رقم (12) لسنة 2021 بشأن «الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان» كمؤسسة مستقلة ذات شخصية اعتبارية معنية بحماية وتعزيز حقوق الإنسان، وفقاً لمبادئ باريس. واعتمدت الدولة عدة سياسات واستراتيجيات، وخططاً وبرامج لتعزيز وكفالة التمتع بحقوق الإنسان والحريات الأساسية، وذلك تطبيقاً لأفضل الممارسات العالمية، حيث اعتمدت الخطة الوطنية حول المرأة والأمن والسلام، تنفيذاً لقرار مجلس الأمن 1325 والتي تمثل نقلة نوعية في تعزيز المعايير المعترف بها دولياً، لمشاركة المرأة في قطاعي السلام والأمن، إلى جانب اعتماد السياسة الوطنية لكبار السن، واستراتيجية التوازن بين الجنسين، والسياسة الوطنية للتحصينات، والسياسة الوطنية للأسرة، وسياسة حماية الأسرة، والاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي، واستراتيجية إشراك الشباب.

كما اعتمدت الدولة مئوية الإمارات 2071 التي تشكل برنامج عمل حكومياً طويل الأمد. وتعمل الدولة حالياً على الانتهاء من إعداد مشروع الخطة الوطنية لحقوق الإنسان التي تشرف على إعدادها اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان، بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني، والهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، والتي ستشكل دون أدنى شك خارطة طريق مستقبلية لدعم التقدم المحرز في مجال حقوق الإنسان. وفي مجال القطاع الصحي، نجحت دولة الإمارات في تأسيس منظومة رعاية صحية متكاملة تُطبق أفضل الممارسات العالمية، حيث تبوأت المراكز الأولى عالمياً في 14 مؤشراً صحياً للعام 2022، كما حصلت على المركز الأول عربياً وخليجياً في 6 مؤشرات أخرى، وفقاً لمؤشر الازدهار 2021، وتقرير المواهب العالمية، وتقرير مؤشر أهداف التنمية المستدامة 2022.

وبالنسبة للتعليم، قامت دولة الإمارات في وضع منظومة تعليمية تصدرت بها قائمة الداعمين للجهود الدولية لتوفير التعليم المناسب في المجتمعات التي تعاني أوضاعاً إنسانية صعبة حول العالم، وإطلاق مبادرة تحدي محو الأمية في العالم العربي والتي تستهدف 30 مليون شاب وطفل عربي حتى العام 2030. وعلى صعيد مكافحة جرائم الاتجار بالبشر، تواصل دولة الإمارات، ممثلة باللجنة الوطنية لمكافحة جرائم الاتجار بالبشر جهودها والتزامها بتخفيف معاناة ضحايا الاتجار بالبشر، وتعزيز حقوقهم وحمايتها، في سبيل وضع حد نهائي لهذه الظاهرة بما ينسجم مع أهداف التنمية المستدامة 2030 للأمم المتحدة.

وتعزيزاً لجهود دولة الإمارات، وترجمة عملية للرؤية التي سارت عليها منذ تأسيسها، استحدثت الدولة البرنامج الوطني للتسامح بهدف ترسيخ قيم التسامح والتعددية الثقافية وقبول الآخر، ونبذ التمييز والكراهية والتعصب، فكراً وتعليماً وسلوكاً. كما اعتمدت السياسة الوطنية لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة بهدف تحقيق المشاركة الفاعلة والفرص المتكافئة في مجتمع دامج، يضمن الحياة الكريمة لهم ولأسرهم، وإطلاق المنصة الوطنية لتوظيف أصحاب الهمم واعتماد سياسة حكومية لتوظيفهم. كما يحظى كبار السن بمنظومة متكاملة من الدعم والرعاية التي تضمن لهم سبل الحياة الكريمة، حيث اعتمدت الحكومة القانون الاتحادي بشأن حقوق كبار المواطنين والمقيمين يضمن لهم الحق في الحماية من التعرض للعنف والإساءة والإهمال، والحق في البيئة المؤهلة والسكن والتعليم والعمل، والحق في الحصول على الخدمات الاجتماعية.

وإيماناً بالدور الكبير الذي تضطلع به العمالة المتعاقدة في الدولة، وإسهاماتها في المسيرة التنموية، قامت دولة الإمارات بإجراء مجموعة كبيرة من الإصلاحات التشريعية والتنظيمية، وتوفير خدمات استباقية لضمان حماية حقوق العمال، ومن أهمها صدور المرسوم بقانون اتحادي بشأن تنظيم علاقات العمل الذي أحدث تحولاً هيكلياً في سوق العمل، وسهل مسألة حرية التنقل بين الوظائف للعمالة. كما ضمنت الدولة من خلال الإطار التشريعي المتكامل تغطية حقوق العمال من حيث الرعاية الصحية اللازمة، وإجازات الأمومة والمرضية بمختلف أنواعها، ووضعت إطاراً متكاملاً لتغطية حالات العجز الكلي والجزئي، وضمان حقوق العمال في كافة القوانين المُنظمة للعمل بالدولة، بالإضافة لإطلاق منظومة التأمين ضد التعطل.

وصادقت دولة الإمارات على تسع اتفاقيات لمنظمة العمل الدولية، من بينها ست اتفاقيات في إعلان عام 1998 بشأن المبادئ والحقوق الأساسية في العمل. كما تفرض قوانين دولة الإمارات الإجازات المدفوعة، وأيام للراحة، والتأمين الطبي، والإقامة، وتوفير الوجبات، وحيازة بطاقات الهوية الشخصية، والحصول على الدعم القانوني المجاني. وبشأن تمكين المرأة، فإن دستور دولة الإمارات يضمن المساواة في الحقوق بين المرأة والرجل. وتشغل المرأة مناصب قيادية في حكومة دولة الإمارات والقطاع الخاص والمجتمع المدني، وهي تمثل الدولة في المحافل الدولية الرئيسة، بما في ذلك الأمم المتحدة.

وتعد دولة الإمارات في المرتبة الأولى عربياً، والحادية عشرة عالمياً في مؤشر المساواة بين الجنسين لعام 2022 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. ووفقاً لتقرير الفجوة العالمية بين الجنسين الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2022، فإنّ دولة الإمارات في المرتبة الأولى عربياً في تحقيق التوازن بين الجنسين. وتحرص دولة الإمارات على تعزيز تعاونها مع مختلف أجهزة وآليات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان التعاقدية منها وغير التعاقدية، ومع مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان من خلال تقديم المساهمات والتبرعات الطوعية السنوية لدعم صناديق الأمم المتحدة، منها - على سبيل المثال لا الحصر- دعم صندوق الأمم المتحدة الائتماني لدعم أنشطة مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، وصندوق الأمم المتحدة للتبرعات لضحايا التعذيب، وصندوق التبرعات من أجل المشاركة في آلية الاستعراض الدوري الشامل، ومشروع مكافحة الفساد وحقوق الإنسان.

وبصفتها عضواً في مجلس الأمن الدولي (2022 - 2023) ومجلس حقوق الإنسان بجنيف (2022 - 2024) تحرص دولة الإمارات على تعزيز التعاون والحوار البنّاء، وتعزيز الشراكات بين الدول عبر توطيد العلاقات بين أعضاء المجلس، وتعزيز الشمولية والتحفيز على الابتكار، وبناء القدرة على الصمود وتأمين السلام. ختاماً، الأمل معقود على أن يبذل جميع الفاعلين في مجال حقوق الإنسان جهداً أكبر في نشر الوعي بالقيم وبالحقوق الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، من أجل تمكين الجميع من الاطلاع على قيم حقوق الإنسان، فاحترام وتعزيز وحماية حقوق الإنسان يبدأ بالوعي وبالإدراك العميق. وستبقى دولة الإمارات ملتزمة بتعزيز مبادئ حقوق الإنسان على الصعيدين الوطني والدولي عبر سياساتها الخارجية الداعمة للمبادرات والتعهدات والمنظمات العالمية المعنية بترسيخ الحقوق والحريات، وتحقيق التنمية المستدامة.

سعادة السفير/ جمال جامع المشرخ*

*المندوب الدائم لدولة الإمارات لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بجنيف.