لابد من استذكار الريادة في الاهتمام بالبيئة وتحسين المناخ ومقاومة التصحر منذ أن بدأ المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بناء دولة الإمارات، وبدأت مناطق كبرى من صحراء الدولة تتحول إلى جنات، وتؤسس فيها الغابات والمحميات الطبيعية، فضلاً عن النهضة الكبرى على كل صعيد.
وقد بلغ الاهتمام بتحسين المناخ ذروتَه عملياً عام 2006، حيث انطلقت في دولة الإمارات مشاريع الاقتصاد الأخضر، وقد تجلت الرؤية في أول مبادرة للبحث عن الطاقة البديلة والنظيفة في مشروع «مصدر» الذي جاء رائداً في مشاريع التنمية المستدامة. وقد أطلقت «شركة أبوظبي لطاقة المستقبل» (مصدر) الكثير من المشاريع على صعيد التعاون الدولي. وتشير المعلومات إلى أن دولة الإمارات استثمرت أكثر من 50 مليار دولار في مشاريع للطاقة المتجددة في 70 دولة، منها 40 دولة نامية، وأبرمت شراكة مع الولايات المتحدة الأميركية لاستثمار 100 مليار دولار لتسريع انتشار استخدام الطاقة النظيفة من خلال مشاريع لتوليد الكهرباء في مختلف أنحاء العالم.
ومع انطلاق استراتيجية الإمارات للتنمية الخضراء منذ عام 2012 توسعت ريادة الدولة على صعيد عالمي، وشملت هذه الاستراتيجية مجموعةً من البرامج والسياسات في مجالات الطاقة والزراعة والاستثمار والنقل المستدام، إضافة إلى سياسات بيئية وعمرانية جديدة تهدف لرفع جودة الحياة في الدولة، وكل مواطن ومقيم وزائر وسائح بات يلحظ جودة الحياة في الإمارات، والتجدد الدائم في بنيتها وحرصها على توسيع ريادتها، وقد باتت دولة حداثة عالمية، ينبهر المراقبون بتطورها الذي يجتاز المراحل.
وبالطبع يبحث مؤتمر «كوب 28» جوهر قضيته الأساسية حول مستقبل الوقود الأحفوري، لكن رئاسة الإمارات تقدم للمؤتمر أهدافاً ملموسة أخرى سيتم تحقيقها بإذن الله عام 2030 وهدفها زيادة قدرة الطاقات المتجددة في العالم ثلاثة أضعاف، ومضاعفة تحسين كفاءة استخدام الطاقة ومضاعفة إنتاج الهيدروجين.
ويقول المتخصصون إن «كوب 28» سيكون أول «تقييم عالمي» لاتفاق باريس الذي يحض على تعزيز الاستجابة العالمية لخطر تغير المناخ عن طريق الحفاظ على ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية في هذا القرن إلى أقل من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، ومواصلة الجهود للحد من ارتفاع درجة الحرارة عبر برامج دولية يلتزم بها المشاركون.
وتبدو ريادة الإمارات في جدية التفاعل على الصعيد العملي عبر جهودها الحثيثة للتحول نحو استخدام الطاقة المتجددة، لا سيما الطاقة الشمسية، حيث تخطط للاستفادة من الموارد المتجددة لتلبية نحو 50 في المئة من احتياجاتها من الطاقة في عام 2050، وستكون محطة الظفرة للطاقة الشمسية الكهروضوئية في أبوظبي، أكبر محطة في العالم لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية.
كما أن مشروع «شمس» جاء رائداً في مجال الطاقة المتجددة على مستوى الدولة أولاً، لكنه أول محطة خدمية قيد التشغيل للطاقة الشمسية المركزة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ولقد عبَّر العالم كله عن تقديره لدولة الإمارات وجودة أدائها، وجاء بالإجماع اختيارها لانعقاد مؤتمر «كوب 28» فيها، وستكون ريادة الإمارات في ميادين الاقتصاد الأخضر مدرسة أمام الدول النامية للإفادة من تجاربها الفريدة، ومن نجاحاتها المبهرة المتحققة على يد قيادة تقدم لشعبها وللمقيمين فيها، وهم نحو 200 جنسية من دول العالم، منظومة واسعة من أرقى الخدمات العامة، من الرعاية الشاملة والاهتمام الراقي.. وهذا ما يجعلها قِبلةَ الباحثين عن عيش آمن وكريم ومطمئن وزاهر. 

*وزير الثقافة السوري السابق