تُواصل دولة الإمارات جهودَها لتحقيق المزيد من المكاسب الاقتصادية والتوسع إقليميًّا وعالميًّا لاقتناص الفرص الاستثمارية الثمينة، ما يعزز الأهمية الاقتصادية للدولة. ويأتي ضمن هذه الجهود توقيع مجموعة «موانئ دبي العالمية» و«هيئة الموانئ التنزانية»، يوم الأحد الماضي (22 أكتوبر 2023)، اتفاقيةً لمدة 30 سنة لتشغيل ميناء دار السلام المتعدّد الأغراض وتحديثه، وذلك بهدف ربط تنزانيا والمنطقة بالأسواق العالمية.

وممّا لا شك فيه أن توقيع الاتفاقية سيعزز تطويرَ العلاقات الاقتصادية الإماراتية التنزانية، حيث ارتفع التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين بنسبة 11% بين عامَي 2021 و2022 ليبلغ نحو 2.5 مليار دولار في عام 2022، وهو الأمر الذي أصبحت بموجبه تنزانيا رابع أكبر شريك تجاري للإمارات بين الدول الأفريقية غير العربية، وبنسبة 7.2% بعد كلٍّ من كينيا وجنوب إفريقيا ونيجيريا.

وتُمثّل هذه الاتفاقية حلقة في سلسلة التوسع الإماراتي في إدارة وتشغيل المحطات والموانئ بالعالم، حيث تدير «موانئ دبي العالمية» 82 محطة بحرية في 40 دولة، كما أنها تعزز الوجودَ الإماراتي بمنطقة شرق إفريقيا من خلال إدارة موانئَ تمتدّ من مصر إلى الصومال وإريتريا وجيبوتي وموزمبيق، إضافة إلى «دار السلام» الذي يخدم التجارة في دول إفريقية غير ساحلية هي زامبيا والكونغو الديمقراطية وبورندي ورواندا وأوغندا وملاوي.

وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن نقص التدفقات الاستثمارية الواردة إلى ميناء «دار السلام» أسهم في انخفاض قدراته التنافسية الإقليمية، وبالتالي العمل دون المعايير الدولية (متوسط مدة انتظار رسو السفن في ميناء «دار السلام» يبلغ 5 أيام، بينما يبلغ في ميناء «مومباسا» الكيني 1.25 يومًا، وفي «دربان» الجنوب إفريقي 1.6 يومًا.. مع العلم أن المتوسط الدولي لزمن التفريغ والتحميل يومًا واحدًا، لكنه يمتد إلى خمسة أيام في «دار السلام»، حيث ترتفع تكاليف نقل الحاوية إلى المستهلك النهائي لنحو 6 آلاف دولار، في حين تبلغ التكلفة للحاوية نفسها بميناء «مومباسا» بين 3500 و4 آلاف دولار).

وتتضمّن الاتفاقية المذكورة بين الإمارات وتنزانيا ضخّ استثمارات مبدئية بنحو 250 مليون دولار في السنوات الخمس المقبلة لتطوير الميناء، ويمكن أن ترتفع إلى مليار دولار خلال فترة الامتياز البالغة 30 عامًا، مما يُحسِّن القدرات اللوجستية للميناء، في إطار خطة تطوير مرافق البنية التحتية وخدمات الدعم اللوجستي بالميناء، باعتباره بوابة لتجارة جنوب وشرق إفريقيا، وربطه بالأسواق العالمية بالاستفادة من الخبرات الإماراتية التي مكّنت الدولة من احتلال المرتبة الأولى عربيًّا وإفريقيًّا في مؤشر الأداء اللوجستي Logistic performance Index الصادر عن البنك الدولي لعام 2023 والثانية عشرة عالميًّا ضمن 139 دولة، كما احتلت موانئ الإمارات المرتبة 11 في قائمة أفضل 100 ميناء بالعالم عام 2022.

وفي الواقع، فإن هذه الاتفاقية ستسهم في تعزيز القوة الناعمة لدولة الإمارات في أفريقيا، حيث لا تقتصر الاتفاقية على أعمال التطوير الخاصة بالميناء فحسب، بل تمتدّ لتشمل تحسين جودة الحياة في المجتمعات المحلية المحيطة بالميناء، ومنها إنشاء الطرق وخطوط السكك الحديدية والكهرباء، وتقليص معدل البطالة عن طريق خلق فرص عمل جديدة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن دولة الإمارات تحتل المرتبة الأولى إقليميًّا والعاشرة عالميًّا في مؤشر القوة الناعمة العالمي لعام 2022.

ويأتي اهتمام دولة الإمارات بالموانئ واللوجستيات ضمن استراتيجية التنويع الاقتصادي التي تتّبعها الدولة، بالتزامن مع التقليص التدريجي للأهمية النسبية لقطاع الطاقة في مكونات الاقتصاد الوطني لصالح قطاعات أخرى، منها: النقل والخدمات اللوجستية، والسياحة، والبناء والتشييد. وتجدر الإشارة إلى أن مساهمة قطاع الطاقة بلغت نحو 27%، بينما بلغت مساهمة القطاعات غير النفطية نحو 73% خلال عام 2022، بما في ذلك قطاع السياحة الذي أسهم بنحو 9%، الأمر الذي يسهم أيضاً في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.