مرت أسواق المال العالمية «البورصات»، وضمنها البورصات الخليجية، خلال الأشهر الماضية، بتقلبات حادة نتيجة للعديد من العوامل الفنية والمالية والجيوسياسية، علماً بأن هناك تفاوتاً لهذه التأثيرات على أسواق المال العالمية بين منطقة جغرافية وأخرى.
ونظراً لأهمية ذلك للمستثمرين والمساهمين، فإن الحديث هنا سيقتصر على البورصات الخليجية وآفاق التطورات الخاصة بها، خصوصاً وأن العوامل المؤثرة في أسواق المال بالمنطقة تعددت بصورة متناقضة، مما زاد من حدة التقلبات من جهة وساهم في استقرارها بشكل عام من جهة أخرى، وهو أمر متناقض بدوره، فالعامل العام الذي أثر في كافة البورصات العالمية يكمن في الارتفاعات المتواصلة لأسعار الفائدة منذ نهاية العام الماضي وبداية هذا العام والذي أوصل أسعارَ الفائدة إلى 5.5% على الدولار، وبالتالي على العملات الخليجية المرتبطة به، حيث أتاح ذلك للمستثمرين الحصولَ على عوائد لودائعهم مساويةً أو متفوقة على عوائد استثماراتهم في أسواق الأسهم.
أما في ما يتعلق بالبورصات الخليجية، فقد تأثرت، بالإضافة إلى ذلك، بتقلبات أسعار النفط والتوترات الجيوسياسية. ففي بداية الأسبوع الماضي على سبيل المثال انخفضت الأسواق الخليجية بنسبة تراوحت بين 2 و3%، إلا أنها سرعان ما عوضت جزءاً من هذه الخسائر بعد بداية الأسبوع الجاري ليترافق ذلك مع تعافي أسعار النفط التي صعدت بنسبة 3 إلى 4% نتيجة لنفس الأسباب، مما يعني أن العلاقة بين الأحداث الجيوسياسية وأسعار النفط ساهمت في استقرار مؤشرات الأسواق المحلية.
وينبغي أن نلاحظ هنا أن البورصات الخليجية أصبحت أقل تأثراً بتقلبات أسعار النفط وبالأحداث السياسية على حد سواء، وذلك نتيجة لتنوع الاقتصادات الخليجية من جهة واستقرار الأوضاع السياسية والأمنية في دول مجلس التعاون من جهة أخرى، وذلك على الرغم من التوترات والصراعات الدائرة حول منطقة الخليج العربي.
وتتيح مثل هذه الأوضاع المتناقضة فرصةً ذهبية للمضاربين ليساهموا في إحداث تقلبات حادة في الأسواق لتحقيق مكاسب وأرباح كبيرة، وذلك بإثارة الرعب بين المستثمرين والذين يسيرون ضمن ما يسمى بسياسة القطيع، فتحدث عمليات بيع عشوائية يتكبدون خلالها خسائر كبيرة دون فحص ودراية بحقيقة التطورات ودون دراسة فنية ومهنية لأوضاع الشركات المساهمة والتي يمكن من خلالها اتخاذ القرارات الصحيحة.
وبما أن أسعار الفائدة قد وصلت لحدها الأعلى تقريباً وأن إمكانية رفعها ستكون محدودة في الفترة القادمة، مع احتمال خفضها من جديد نهايةَ العام القادم 2024 بعد انخفاض معدلات التضخم، فإن الاستثمار بعيد المدى يتطلب أخذ هذا الجانب بعين الاعتبار مع الاستفادة من الارتفاع الحالي لأسعار الفائدة من خلال تنوع المحافظ الاستثمارية للمؤسسات والأفراد.
وفيما يخص المستثمرين في البورصات الخليجية، فإن أية قرارات مستقبلية لا بد أن تعتمد على التغيرات التي حدثت في السنوات القليلة الماضية من خلال ربط الأسواق المالية بأسعار النفط التي استقرت عند معدلات مرتفعة والأحداث الجيوسياسية، إذ أن هذا المكوِّن يمنح البورصات الخليجية، ولأول مرة، نوعاً من الثبات والاستقرار مع إمكانية الارتفاع التدريجي، على عكس العقود الماضية التي شهدت انهيارات متكررة لأسعار النفط، مصحوبةً بعدم الاستقرار في العديد من المناطق المحيطة بمنطقة الخليج، علماً بأن الفترة القادمة ستشهد بعض التقلبات انخفاضاً وارتفاعاً وفق تطور الأوضاع ومزاج المضاربين.
لذا، فالنتيجة التي يمكن الخروج بها، تمكن في وجود عوامل وظروف متوازنة لاستقرار الأسواق الخليجية والتي تحقق الشركات المدرجة فيها، وبالأخص البنوك، نتائج جيدة تتيح توزيعات عالية للمساهمين، مع إمكانية لارتفاع أسعار الأسهم التي يعتبر بعضها أقل من قيمته الحقيقية، مما يتطلب استغلال الفرص والأوضاع المتاحة من خلال حسن الاختيار بين أسهم الشركات والمؤسسات المدرجة وعدم الجري وراء المضاربات والهلع واتباع سياسة استثمار متوسطة وبعيدة المدى في أسهم الشركات الجيدة، وذلك بالاطلاع على أوضاعها المالية والقراءة الصحيحة لموازناتها ونتائجها الفصلية والسنوية والتي تعكس حقيقة قوتها وجدارتها المالية. 

*خبير ومستشار اقتصادي