بالنسبة للشركات الكبرى، فإن ممارسة الأعمال التجارية دون تتبع المخاطر المناخية أصبحت على نحو متزايد أشبه بقيادة سفينة فاخرة عبر شمال الأطلسي دون مراقبة الجبال الجليدية. قد يكون العمل ضئيلاً، لكنه قد يكون الشيء الوحيد الذي يمنع وقوع الكارثة. هناك حركة جارية على قدم وساق لإجبار الشركات على الإبلاغ عن انبعاثاتها الكربونية بشكل أكثر شمولاً. والهدف هو إعطاء المستثمرين فكرة أفضل عن المخاطر المناخية التي تواجهها هذه الشركات، وفي نهاية المطاف، تحفيزهم على المساعدة في الحد من الغازات التي تؤدي إلى تسخين الكوكب.

وكالمعتاد، كاليفورنيا تقود الطريق. فقد أصدرت مؤخراً قانوناً يلزم الشركات العامة والخاصة التي تزيد إيراداتها عن مليار دولار وتمارس أعمالاً تجارية في الولاية -نحو 5000 في المجموع- بالإبلاغ عن الانبعاثات صعوداً وهبوطاً في سلسلة القيمة الخاصة بها فيما يمكن أن يكون حساباً أكثر شمولاً مما تهتم به معظم الشركات الآن. ويتطلب مشروع القانون المصاحب من الشركات التي تزيد إيراداتها عن 500 مليون دولار الكشف عن مخاطرها المالية المرتبطة بالمناخ. وأمام الحاكم «جافين نيوسوم» مهلة حتى 14 أكتوبر لتوقيع كل هذا ليصبح قانوناً. وقال إنه يعتزم القيام بذلك لكنه قد يسعى إلى «بعض التنقيح» للصياغة أولاً.

وكتب محامو شركة «فينويك آند ويست» في منتدى كلية الحقوق بجامعة هارفارد حول حوكمة الشركات، أنه إذا وقع نيوسوم على الاتفاقية، فسيرسل ذلك موجات من الصدمة عبر الشركات الأميركية، مما يهدد «بأعباء كبيرة فيما يتعلق بجهود الامتثال والنفقات ذات الصلة».

وستشعر لجنة الأوراق المالية والبورصة أيضا بالضغوط، حيث تدرس قواعد مماثلة للشركات العامة. وستواجه قريباً الاختيار بين الانضمام إلى ولاية كاليفورنيا خامس أكبر اقتصاد في العالم في المطالبة بإفصاحات مناخية واسعة النطاق أو ترك الشركات في ظل نظام تنظيمي ذي مسارين غير مفيد. يقاوم المدافعون عن الشركات القواعد الجديدة بقوة، ويشكون من أنها ستكون مرهقة ومكلفة. وانحازت وزارة المالية في كاليفورنيا إلى جانبهم. ربما كان لديهم وجهة نظر معينة: في الوقت الحالي، تقوم الغالبية العظمى من الشركات بالإبلاغ بشكل أساسي عما يسمى بانبعاثات «النطاق 1» و«النطاق 2».

وتشمل هذه المركبات والمباني والكهرباء والتدفئة وتكييف الهواء التابعة للشركة. وستجبرهم كاليفورنيا أيضاً على الإبلاغ عن انبعاثات «النطاق 3»، والتي تشمل: السلع والخدمات المشتراة، السلع الرأسمالية، النفايات، رحلات العمل، الأصول المؤجرة، تجهيز المنتجات المباعة، استخدام المنتجات المباعة، الامتيازات، الاستثمارات، هذه إذاً بنود كثيرة. ومن الواضح أن الإبلاغ عن كل هذا سيكون أكثر تعقيداً وتكلفة من الوضع الراهن. ومن الصعب قياس بعض انبعاثات «النطاق 3» بدقة.

إذا كنت شركة مصنعة لغسالات الأطباق، على سبيل المثال، كيف يمكنك حساب الانبعاثات في دورة الحياة الكاملة لكل غسالة أطباق تبيعها، والتي سيتم استخدام كل منها بشكل مختلف إلى حد ما (وغالباً بشكل خاطئ) من قبل كل عميل؟ وإذا أضفنا حسابات المخاطر المناخية فوق كل ذلك، كما ستفعل كاليفورنيا، فسيصبح عبء العمل أثقل.

اقترح رئيس هيئة الأوراق المالية والبورصة، جاري جينسلر، الذي يواجه وابلاً من آلاف التعليقات، أنه قد يقدم للشركات مهلة. إن قاعدة لجنة الأوراق المالية والبورصات هي بالفعل أبسط فيما يتعلق بتقارير «النطاق 3» من قاعدة كاليفورنيا. وتلوح في الأفق دائماً المحكمة العليا في الولايات المتحدة، والتي يمكنك أن تتخيل بسهولة تعاطفها مع التحديات القانونية التي تفرضها الشركات المتضررة.

ولكن من المؤكد أنه لن يكون من الممكن تجنب هذه المحاسبة الصعبة في الأمد البعيد. على الرغم من صعوبة قياسها، إلا أن انبعاثات النطاق 3 تمثل 75% من إجمالي انبعاثات الشركة، في المتوسط. وهذا يجعلها أكبر مصدر للمخاطر المناخية للشركات. أبلغت معظم الشركات حول العالم بالفعل عن بعض انبعاثات النطاق 3 على الأقل. وسيستمر الضغط من أجل الإفصاح المتزايد، الذي يطبقه المستثمرون والجهات التنظيمية على مستوى العالم، في التزايد، حسبما أشار تقرير حديث صادر عن جامعة كامبريدج وشركة المحاماة «دي إل إيه بيبر» DLA Piper.

هناك عدد كبير ومتزايد من الكيانات، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي واليابان والمملكة المتحدة، تفرض معايير الإبلاغ عن الاستدامة التي اقترحتها فرقة العمل المعنية بالإفصاحات المالية المتعلقة بالمناخ، وهي مجموعة عمل أنشأها مجلس الاستقرار المالي لمجموعة العشرين. وتقترح هذه المجموعة الإفصاح الكامل عن المناخ باستخدام بروتوكول الغازات الدفيئة المعترف به دولياً، على الرغم من أنها لا تزال أقرب إلى لجنة الأوراق المالية والبورصة مقارنة بكاليفورنيا فيما يتعلق بمتطلبات النطاق 3. قد يؤدي الفشل في مواكبة العصر إلى تجنب المستثمرين المهتمين بالبيئة. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تعطيل الأعمال مع تحول العالم إلى الطاقة النظيفة. كما يمكن أن يعرض الشركات لدعاوى قضائية باهظة الثمن.

وكما كتبت لارا ويليامز، من موقع بلومبرج، فإن النشطاء يقاضون الحكومات والشركات بسبب فشلهم في مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، وقد بدؤوا في تحقيق بعض الانتصارات.

هناك سبب وراء اتخاذ شركة آبل وبعض الشركات الكبرى الأخرى جانب كاليفورنيا في الضغط من أجل الإفصاحات. قد يبدو مثل هذا السلوك بمثابة شكل متقدم من أشكال «الغسل الأخضر» (تضليل المستهلكين حول الممارسات البيئية للشركة أو الفوائد البيئية لمنتج أو خدمة ما). ولكن في الواقع، يمكن لهذه الشركات رؤية الاتجاهات ومعرفة المسار الأسهل والأكثر أماناً وهو أن يتبنى العالم معياراً واحداً يمكن التنبؤ به لإعداد التقارير المناخية في أقرب وقت ممكن لتقليل الارتباك وتقليل التكاليف على المدى الطويل.

مارك جونجلوف*

*كاتب متخصص في قضايا المناخ.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج أند سينديكيشن»