بعد حرب فيتنام جرى الحديث للمرة الأولى عن نمط جديد من الحروب، جرت تسميته «الحروب الجيوفيزيائية». وفي فبراير عام 2023 وقع زلزال كبير في كل من تركيا وسوريا، وفي سبتمبر 2023 وقع زلزال كبير آخر في المملكة المغربية.

وبينما كان العلماء يبحثون في جيولوجيا ما حدث، كان كثيرون يتحدثون عن الحروب الجيوفيزيائية، والصناعة البشرية لزلازل عام 2023. امتلأت وسائل التواصل، ومعها المنازل والمقاهي، بأحاديث وثرثرات لا نهاية لها، كلها تتحدث عن مشروع «هارب» الأميركي، وأن هذا المشروع هو الذي يقف وراء تغيّرات المناخ الكارثية، كما أنه الصانع الأكبر للزلازل الجديدة، والتي استهدفت بلداناً إسلامية! بث هؤلاء مقاطع للشعاع الأزرق الذي صاحب زلزال تركيا، ثم صاحب مرة أخرى زلزال المغرب، وجرى التأكيد على أن الأمر بات واضحاً ولا يحتاج إلى دليل.

وها هو الشعاع الأزرق القادم من ولاية آلاسكا الأميركية حيث تمتد ملايين الأسلاك في مشروع «هارب» (الشفق القطبي)، ليضرب مكاناً بذاته، فيقع الزلزال فور وصول الشعاع. كان هناك أيضاً مَن يعزز هذه الرؤية، ذلك بالقول إن مشروع «هارب» هو بالأساس مشروع عسكري، أسسه الجيش الأميركي في عام 1993، ثم أصبح مشروعاً عسكرياً مدنياً مشتركاً بين وزارة الدفاع وولاية آلاسكا.. وإن الهدف المعلن للمشروع هو إرسال موجات لاسلكية نحو الغلاف الجوي الأيّوني، وإحداث تطور جذري في منظومة الاتصالات، وكذلك التأثير في أوضاع الطقس والمناخ.

إذن.. فقد تجمّعت لدينا نظرية متكاملة هذه أبعادها: بعد حرب فيتنام جرى الحديث عن الحرب الجيوفيزيائية، وفي السبعينيات جرى الحديث عن الزلازل الصناعية، وفي التسعينيات بدأ مشروع «هارب» العسكري الأميركي، وفي عام 2023 وحده وقعت زلازل تركيا وسوريا والمغرب، وكذلك إعصار دانيال المدمرّ في ليبيا، وقد وصل عدد ضحايا هذه الحوادث وحدها إلى أكثر من نصف ضحايا قنبلة نجازاكي. إننا إذن أمام جيل جديد من الحروب الجيوفيزيائية، حيث التدمير الجيولوجي، والتهديد الفيزيائي، والانتقاء الجغرافي.

لا شيء من هذا صحيح، ولا يمكن اعتبار هذه النظرية سوى كوْنها جزءاً من العلوم الزائفة. ثمّة عنصر صحيح في الأمر، وهو وجود مشروع «هارب» (الشفق القطبي) في ولاية آلاسكا، وأنه يعمل بتعاون عسكري مدني، وأنه يستهدف الغلاف الجوي لأغراض متعددة، معظمها معلن ومعروف، كما أن المشروع فتح أبوابه لزيارة الراغبين عدة مرات.

وإضافة إلى ذلك فإن مقاطع الضوء الأزرق هي مقاطع صحيحة، لكن لا علاقة لها بمشروع «هارب»، بل هي ظاهرة طبيعية تم رصدها عشرات المرات في عشرات الزلازل، وكان أول رصد للشعاع الأزرق قبل نحو 1000 عام، وذلك في زلزال باليابان عام 869 ميلادية، وقد أعطى العلماء اسماً علمياً لذلك الشعاع الذي قد يكون أزرقاً أو بأي لون آخر، وهو «EQL».

العلماء الأشرار موجودون دائماً، والساسة الأكثر شرّاً موجودون كذلك، والسعي وراء حروب جيوفيزيائية هو سعي مؤكد. لكن ما حدث مِن زلازل وحرائق وعواصف ليس جزءاً من حروب جيوفيزيائية، إذ ما تزال قدرات الشر العلمي أقل من ذلك بكثير، حيث يستحيل علمياً إحداث زلزال كبير بأيدٍ بشرية. إذا لم يكن باستطاعتنا أن نتصرف إزاء الكوارث بشكل صحيح، فعلى الأقل يجب أن نفهم ما يحدث بشكل صحيح.. والعلم هو الحل.

*كاتب مصري