تُقدِّم التجربة الإماراتية الكثير من الدروس والخبرات في مجال تعميق المشاركة السياسية لكل فئات المجتمع، وهي دروس وخبرات تنطلق من أن لكل مجتمع طريقته التي تتفق مع بنيته السياسية والاجتماعية وموروثه الثقافي والقِيَمي، ومن ثم فإن تحديد أطر المشاركة السياسية ومنطلقاتها ومراحلها وآلياتها على النحو الذي يتفق وظروف كل دولة يجب أن يكون هدفًا للمؤسسات المعنية في هذه الدول، لأن تطبيق النماذج الجاهزة والتجارب التي تطورت في مجتمعات أخرى أثبت في كثير من الأحيان أنه كان طريقًا إلى تعقيد الأوضاع وتفاقم المشكلات بدلًا من أن يسهم في تحقيق أهداف الدول والشعوب وتطلعاتها المشروعة إلى الاستقرار السياسي والتماسك الاجتماعي والازدهار الاقتصادي والتنمية.

وتُعدُّ فعاليات الدورة الثانية عشرة لـ«منتدى بناء الوعي السياسي لطلبة الجامعات»، التي عُقدت يوم الخميس 14 سبتمبر 2023، في جامعة الإمارات العربية المتحدة، نموذجًا للجهود التي تضع أسسًا قوية وراسخة لتعزيز المشاركة السياسية، إذ يُعقد المنتدى بالشراكة بين وزارة الدولة لشؤون المجلس الوطني الاتحادي بالتعاون مع جامعة الإمارات العربية المتحدة، بما يعني تكاملًا بين المؤسسة السياسية المعنية بالتشريع والمؤسسة التعليمية المعنية ببناء المعرفة، وجسرًا للفجوة التي تكون قائمة بين المؤسسات المشابهة في الدول الأخرى. كما يرتبط موضوع الدورة الحالية بحدث وطني يحظى بمتابعة حثيثة ويشهد تفاعلًا مجتمعيًّا كبيرًا، وهو انتخابات المجلس الوطني الاتحادي، ما يعكس أهميتها البالغة لدى كل فئات المجتمع.

ويشير اختيار جامعة الإمارات العربية المتحدة مقرًّا لاحتضان فعاليات المنتدى إلى المكانة التي يحتلّها الشباب في كل خطط التنمية في دولة الإمارات، انطلاقًا من حقيقة أن الشباب بين 15 و35 عامًا يشكلون نحو 50% من مواطني الدولة، وأنهم سيكونون في مواقع قيادية كبرى قريبًا، لأن القيادة الرشيدة تؤمن بأن الشباب أقدر على المبادرة والابتكار وسرعة التفاعل مع التطورات العالمية المتسارعة والاستجابة لها، وهو ما أكدته تجربة الدولة التي حقق فيها القياديون الشباب إنجازات ونجاحات في كل المجالات يعتز بها أبناء الوطن، وينظرون إليها بفخر وإكبار.

وتُظهر أعمال المنتدى ومناقشاته الثرية قدرًا عاليًا جدًّا من الشمول في الموضوعات التي تغطي القضية محل النقاش من مختلف جوانبها، وكذلك قدرًا عاليًا من النضج الذي بدا أوضح ما يكون في الجلسة الشبابية التي خُصّصت لطلبة جامعة الإمارات العربية المتحدة، وأُسندت إليهم مهمة إدارتها والحديث فيها. وأوضحت هذه الجلسة أن شباب الدولة يدركون أهمية دورهم السياسي، وأهمية مشاركتهم في انتخابات المجلس الوطني الاتحادي، وأنهم يمتلكون معرفة عميقة بكل جوانب العملية الانتخابية ومراحلها، ومتابعتهم لتطوراتها، وإلمامهم بأسس العمل البرلماني ودور المؤسسة التشريعية ومكانتها في المنظومة السياسية للدولة.

ليس هناك من شك في أن الحرص على تعزيز المشاركة السياسية يُعبّر عن ثقة كاملة بأن أبناء الوطن جميعًا يستشعرون مسؤوليتهم الوطنية، وينطلقون من إيمان كامل بأن مهمتهم الأسمى هي المضيّ بوطنهم نحو مزيد من الازدهار والرخاء، في ظل قيادة نذَرت نفسها لتجعل دولة الإمارات في صدارة دول العالم، وهو المكان الذي تستحقّه.

*عن نشرة«أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.