تعد المتاحف البريطانية ذات المستوى العالمي واحدة من عوامل الجذب الرائعة للعيش في لندن، حيث توفر بشكل عام حرية مشاهدة كميات هائلة من الآثار الثقافية من جميع أنحاء العالم، وغالباً ما يرغب أولئك الذين يصلون إلى العاصمة البريطانية في زيارتها عاجلاً وليس آجلاً. لكن بعض هذه المجموعات قد تبدأ في التقلص قبل مرور وقت طويل.

وأدت سرقة أو فقدان أو إتلاف حوالي 2000 قطعة من المتحف البريطاني، والتي انتهى بعضها على موقع «إيباي»، إلى إقالة أحد الموظفين المشتبه في تورطه ورحيل مدير المتحف «هارتويج فيشر». ومع ذلك، من المرجح أن يكون التأثير بعيد المدى للفضيحة هو الدافع الذي تعطيه للضغوط الدولية من أجل إعادة القطع الأثرية إلى الوطن.

إن المتاحف البريطانية عبارة عن قصور راقية يسكنها موظفون يتقاضون أجوراً متواضعة في مبان تاريخية غالباً ما تثير روحَ البحث العلمي المنفصل. لكنها مكدسة بالقطع الأثرية التي تم نهبها أثناء المغامرات الاستعمارية للبلاد.

ومع إعادة تقييم إرث الإمبراطورية بشكل متزايد، يَنصب المزيدُ من الاهتمام على كيفية حصول هذه المؤسسات على كنوزها. وتعد اليونان ونيجيريا ومصر والهند وإيران وجزيرة الفصح (في تشيلي) والسودان وإثيوبيا وجنوب أفريقيا من بين الدول والأقاليم التي سعت إلى إعادة الآثار. وكان الرد على الدعوات المتزايدة لاستعادة الممتلكات هو التأكيد على دور هذه المتاحف كموارد ثقافية تتجاوز النزعة القومية. تتيح المتاحف «العالمية» التي تحتوي على مجموعات شاملة من جميع أنحاء العالم دراسةَ ومقارنة الثقافات في مكان واحد، مما يجعلها متاحةً لأكبر عدد من الزوار.

وبعض الآثار التي لا تقدر بثمن لن تكون آمنةً إذا أعيدت إلى بلدانها الأصلية. والحجة في جوهرها هي: نحن المحترفون، دعوها لنا. لذا، فإن حادثةَ سرقة المتحف البريطاني قوضتَ فكرة أن هذا المهد المتلاشي للإمبراطورية في وضع جيد فريد ليكون بمثابة الوصي على الكنوز الثقافية في العالم، سواء أكانت رخام البارثينون في اليونان، أم برونزيات بنين ونيجيريا، أم حجر رشيد في مصر، أم أي عدد آخر من العجائب الأنثروبولوجية.

إذا كان فقدان قطعة أثرية واحدة يمكن اعتباره سوءَ حظ، فإن خسارة 2000 قطعة يبدو وكأنه إهمال! ولماذا يجب أن تكون هذه المؤسسات في المملكة المتحدة؟ لا يمكن فصل مكانة لندن باعتبارها عاصمة المتاحف في العالم عن إرث التوسع الاستعماري البريطاني في القرن التاسع عشر. يمكن أن يكون وجود القطع الأثرية في المتحف مسألةً معقدةً للغاية، وكون بعض القطع الأثرية تأتي من بلدان حدث بينها وبين الإمبراطورية البريطانية صدام لا يعني أنه تم الحصول عليها بطريقة غير شريفة أو غير أخلاقية.

لكن أصبح من الصعب دعم فكرة أن هذه المؤسسات التي استفادت من الثروة الإمبراطورية للبلاد، يمكنها الآن أن تقف منفصلةً كحاويات محايدة للكنوز الثقافية العالمية. تتجسد المفاهيم المتغيرة للعلاقة بين صناعة المتاحف في المملكة المتحدة والماضي الاستعماري للبلاد في كتاب «المتاحف الوحشية»، وهو كتاب مؤثر صدر عام 2020 من تأليف «دان هيكس»، أمين متحف بيتس ريفرز في أكسفورد. ويعرض هيكس، وهو من دعاة استرداد الممتلكات، بالتفصيل أعمالَ العنف ونهبَ اللوحات البرونزية وغيرها من القطع الأثرية من مملكة بنين (نيجيريا الحالية) على أيدي القوات البريطانية في عام 1897. وقد جددت نيجيريا دعوتَها لإعادة القطع الأثرية بعد سرقة المتحف البريطاني، وكذلك فعلت اليونان. ويجري متحف بيتس ريفرز، إلى جانب متاحف بريطانية أخرى، محادثات مع السلطات النيجيرية بشأن إعادتها.

وكتب هيكس بعد الحادث: «لقد ضاعت الحجة الأخيرة المتبقية ضد الاسترداد». وبالنسبة للنقاد المحافظين، فإن حركة استعادة القطع الأثرية هي تعبير عن الذنب الاستعماري الذي يفشل في تقدير الإرث الأكثر تعقيداً للإمبراطورية (كان العالَم مختلفاً حينئذٍ، وبالإضافة إلى ذلك، قام البريطانيون ببعض الأشياء الجيدة مثل بناء السكك الحديدية، وإنشاء إدارات نظيفة نسبياً وإلغاء العبودية، بما في ذلك في بنين أو نيجيريا الحالية). بعض هذه الحجج تبدو واهية.

إن إعادة تقييم الاستعمار تتعلق جزئياً بمعرفة الحقيقة الكاملة لما حدث. وقد يَصدم حجمُ العنف البعضَ. تضمنت فصول التاريخ في المدرسة الكثير عن شهداء تولبودل، والميثاقيين (الميثاقية هي حركة عمالية إنجليزية نشطت في القرن التاسع عشر ميلادي على أساس المبادئ التي اشتمل عليها «ميثاق الشعب»)، وقوانين الذرة أو القيود التجارية المفروضة على الأغذية المستوردة التي تم فرضها في المملكة المتحدة عام 1815.

هناك بعض أوجه التشابه المذهلة بين الحكاية التي رويت في «المتاحف الوحشية» وسلوك الجنود البريطانيين والفرنسيين في تلك الحقبة، وهو تذكير بأن الاستعمار كان مشروعاً متعددَ الجنسيات له طريقة عمل متسقة. لقد كان تدمير مجمع بكين عملاً تخريبياً وحشياً لدرجة أنه أثار اشمئزازَ حتى بعض أولئك الذين شاركوا فيه. كتب تشارلز جوردون (الذي قُتل فيما بعد في الخرطوم): «لا يمكنك أن تتخيل جمال وروعة الأماكن التي أحرقناها. لقد آلمت قلب المرء.. لقد كان عملا محبِطاً بشكل بائس للجيش»

. ودفعت حادثة المتحف البريطاني صحيفة «جلوبال تايمز» الصينية إلى المطالبة بإعادة جميع الآثار الثقافية الصينية «التي تم الحصول عليها عبر قنوات غير صحيحة». ويحتوي المتحف على 23 ألف قطعة من هذا النوع، بما في ذلك بعض القطع من القصر. وإذا بدأت بريطانيا تتقبل الحجة الأخلاقية المطالِبةَ بالتعويض من طرف دول مثل أستراليا ونيجيريا واليونان، فما هو الثمن الذي ستقدمه للصين، صاحبة الاقتصاد الأكبر في وقتنا الحالي؟ وكم عدد ضحايا ذروة الاستعمار الذين من المحتمل أن يتقدموا بطلبات تعويض؟ 

ماثيو بروكر*

*كاتب عمود في بلومبرج اوبينيون

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»