لم تستقر الأوضاع بعد في «النيجر» حتى لحقتها «الجابون» المزدهرة من أكثر من خمسة عقود، وصناديق الانتخابات تقود دفة الحكم والسياسة في هذه الجمهورية التي لم يُسمع عنها إلا مع استيلاء العسكر على الحكم في غمضة عين.

مما لا شك فيه بأن فرنسا صاحبة النفوذ الأوحد أثناء فترة الاستعمار وما بعدها، حتى دقت ساعة الانقلاب بحجة أن  «عمر بونجو» قد باع البلد لفرنسا، وأخذوا عليه مقولته: بأن فرنسا تسوق أفريقيا، وهي وقود فرنسا. لماذا يُراد لدولة مزدهرة اقتصادياً الانهيار؟ ما هي دلائل هذا النمو الذي تحسد عليه؟ بمقياس دخل الفرد من إجمالي الناتج المحلي للدولة، مقارنة ببقية دول أفريقيا، هي الأعلى بمعدل 8000 آلاف دولار سنوياً، وذلك لقرابة 1.5مليون نسمة تعيش على مساحة تقدر بـ 270 ألف كيلو متر. حبا الله الجابون بثروات جمة، وهي تتميز بشريط ساحلي طويل فيه سلسلة من الغابات على مدى البصر مقارنة بكل دول أفريقيا، إضافة على إطلالة على المحيط الأطلنطي.

الجابون غنية كذلك بالنفط واليورانيوم والألماس والذهب ومعادن أخرى لا حصر لها، مما يشكل مطمعاً للطامعين وعلى رأسهم شريحة الانقلابيين. وهناك أمر فريد في هذه الدولة حيث 90% من سكانها مسيحيين ، ولكن الذي يحكمهم منذ أكثر من نصف قرن رجل مسلم اسمه عمر الذي أعلن إسلامه في 1973، وكان اسمه من قبل «ألبرت برنارد». هذا وقد عقد المؤتمر الوطني الأول لمسلمي الجابون في عام 2004، والذين بلغت نسبتهم 10% من إجمالي السكان، في العاصمة «ليبرفيل» حول موضوع الاتحاد من أجل إسلام متسامح ومزدهر.

وقع خلال المؤتمر رؤساء 34 منظمة إسلامية جابونية على الاتفاق لإجراء أعمال الإسلامية منسقة على هامش هذا الحدث. تحتفل الحكومة الجابونية بالأعياد الإسلامية بوصفها أعياداً وطنية مثل عيد الفطر. وتقوم المحطات التلفزيونية الحكومية بمنح أوقات بثها مجاناً إلى الكنيسة الكاثوليكية، وبعض الطوائف البروتستانتية، والمساجد الإسلامية. ولكن عندما انقلبوا على أفكار  عمر بونجو، تحولت لدى خصومه جميع حسناته إلى سيئات، حتى بعد أن شاخ رئيسهم في الإسلام، قالوا عنه إن إسلامه كان سياسياً من أجل التقرب للدول الإسلامية وما ضر الجابون من ذلك، لا أعرف حتى من باب المصلحة المحضة، وكما يقال: عندما يسقط الجمل تكثر سكاكينه. هذا ما فعلته الدول الغربية به. رغم امتصاصها لأثمن ثروات بلاده. نقول جدلاً لو كان إسلام عمر بونجو من باب «المؤلفة قلوبهم»، وهو ليس كذلك، لأنه حاكم البلد يتقبل الله منه، ولكن لدى بعض الخصوم تأويل مختلف وتبرير مدمر للاستقرار والازدهار.

ما هو السبب المقنع سياسياً من الانقلاب في بلد اقتصاده في صعود على امتداد أكثر من نصف قرن؟ يقدم البعض مبرراً واهياً يتمثل في أن عائلة بونجو ظلت تحكم لمدة طويلة وكفى بذلك سبباً، فاتبع العسكر واندفع للتغيير ولو كان التدمير إحدى نتائجه!