سؤال «آلان توران» الذي ختمت به المقالة الماضية لم يكن بعيداً عن همّ «توماس هوبز»، بل كان لصيقاً به وإن انشقّ جزئياً عنه، وآية ذلك أن «توران» زاد على نظرية هوبز السياسية التوظيف التربوي لفكرة المجتمع، وذلك حين كتب عن التربية، واصفاً إياها:«بالتي تطابق الفلسفة الاجتماعية بينها وبين التنشئة الاجتماعية»، أي احترام قواعد السلوك التي تُمكن المرء من أن يعيش ضمن المجتمع. إن المصطلح الكلاسيكي لكلمة مجتمع يُنتج إذن فصلاً حاداً بين المنظومة وبين الفاعل وهو فصل يشبه الفصل بين الحياة العامة والحياة الخاصة، أو بين الرجل والمرأة.

فالسياسة منسوبة هنا للرجل، بينما ينسب علم النفس للمرأة. والسياسة هي ميدان الحساب والعقل، بل وحتى ميدان المصالح المعقولة للدولة، أما مجال النفس فتحكمه الإحساسات والعواطف والانفعالات». هوبز كان تنظيره صادماً وتنبأ بذلك، حين كتب: «أعرف من التجربة كم سيجري التشهير بي بدلاً من شكري لأني قلت للناس الحقيقة حول الطبيعة البشرية».

وحين نشبت الحرب الأهلية الإنجليزية في 1640 تسربت مخطوطة هوبز «عناصر القانون» وذلك في ذروة الأزمة السياسية.

وستتبلور رؤيته حول الأصول الطبيعية والسياسية لسلطة الدولة في كتابه «اللفياثان» والذي طبع لأول مرة سنة 1651. بحسب دراسة بيير فرنسوا مورو عن هوبز فإن فلسفته تعتبر أن: «حالة الطبيعة لا تطاق إطلاقاً، ولأن المرء يخسر فيها كل شيء، فهو يعطي تقريباً كل شيء في لحظة التعاهد، يجوز للسيد الأعلى المتشكل هكذا سلطة مطلقة ولا شيء يمكنه أن يعارضه بصورة مشروعة».

ذلك أن «حالة الطبيعة» التي يكون فيها الناس أحراراً تليها لحظة العهد، وفي الأخير المجتمع المدني، الذي رأى هوبز أنه الحصانة بوجه الحرب عموماً، وبوجه الحروب الأهلية خصوصاً، لكن ما هي الحرب الأهلية لديه، وما هو السلم وكيف تضرم نيران الحرب على أرض أي مجتمع؟! مقاومة الدولة أو «العقد الاجتماعي» تأتي من المتوترين من الانتظام، ويسبب «توران» ذلك بقوله:«إننا نجد أحياناً، كما لدى جان جاك روسو، أن النظام، على العكس من ذلك، تعسفي، لأن هناك حالة طبيعية هي حالة العشرة الجماعية والمساواة.

وفي الحالتين، فإن التعارض بين الطبيعة والمجتمع يشمل التعارض بين الفاعل الاجتماعي والمنظومة، ويُسند دوراً رئيسياً للدولة وللقانون اللذين يحققان الانتقال من حالة الطبيعة إلى حالة المجتمع إما في اتجاه الخير أو في اتجاه الشر».

الشغب الذي يجري اليوم من قبل البعض تجاه الدول باسم الثورة، أو تعسف الأنظمة، أو التشويه للقوانين والشغب عليها، أو تحطيم المؤسسات الرسمية إنما غرضه الأساسي الرجوع إلى حالة الطبيعة الذئبية، ولا بد من أجل القضاء على هذه الأفكار من الالتزام بفكرة المجتمع بكل تفريعاته، الأساس لدى «توران» أن فكرة المجتمع أساسية، ولكن يجب أن لا يقتصر شرحها على المجال السياسي وإنما التربوي أيضاً.

*كاتب سعودي