انشغل السوريون بالحديث عن عودة العلاقات العربية مع سوريا إلى طبيعتها السابقة، وقد تفاءل كثير منهم بعودة بلادهم إلى مقعدها في جامعة الدول العربية، وبدأ بعضهم يَعد تنازلياً للحظة انطلاق الحل السياسي في سوريا عبر دور عربي جديد بعد أن أخفقت محاولات تدويل الأزمة السورية في الوصول إلى الحل المأمول، ولم يستطع مجلس الأمن الدولي تنفيذ أي من قراراته بشأن المسألة السورية، وتزايدت المطالب للدول العربية بأن يكون لها الدور الأهم في إنقاذ سوريا، لاسيما أنها تحملت عبئاً كبيراً على مدى عشر سنوات من الانشغال اليومي بالحدث السوري نفسه، واستقبلت قوافلَ ضخمة من السوريين اللاجئين، خاصة في الأردن ولبنان، ومئات الآلاف من الوافدين في بقية الدول العربية التي رحبت بهم وباتوا مقيمين مكرَّمين بين أهلهم العرب، بينما كان اللجوء السوري الأكبر حجماً (بالملايين) إلى تركيا وأوروبا وباقي أصقاع الأرض. وتعتقد كثير من التقديرات أن ثمة الآن أكثر من أربعة عشر مليون سوري باتوا في الشتات، بعد أن تهدمت بيوتهم ومدنهم وقراهم.
وكان أشقاؤنا العرب قد هرعوا لتقديم العون والإغاثة وإنشاء المخيمات والمستوصفات، وأنفقوا بسخاء لدعم الشعب السوري في محنته. وحين بدأت عودة الانفتاح على الحكومة السورية اهتمت وسائل الإعلام بالحديث عن وجود مبادرة عربية، وعن شروط وضعتها بعض الدول الشقيقة للمتابعة في مسار الحل السياسي، ولم يكن هناك إيضاح رسمي حول تفاصيل هذه الشروط، لكن قيل إنها تشمل الاستعداد لعودة اللاجئين في ظروف آمنة، وتنفيذ القرار الدولي رقم 2254 بوصفه خريطة طريق إلى الحل المطلوب.
لكن اللاجئين لم يعودوا، والوضع الاقتصادي أصابه التدهور جراء انهيار قيمة صرف الليرة السورية إلى مستويات قياسية، رغم ما قدمته الدول العربية من مساعدات.
ربما يقال إننا نحتاج إلى مزيد من العون كي نوفِّر للاجئين العائدين بيئةً خدميةً أفضل، وقد سعينا لإعادتهم، رغم الظروف الاقتصادية القاسية التي نمر بها، لكن كثيراً من اللاجئين يتهيبون العودةَ لأسباب أمنية، وهذا موضوع تنبغي معالجته، كي يجد العائدُ بيتَه ويسكن فيه آمناً مطمئناً.
لا بديل عن الحل السياسي، والعرب يدركون خطر أي انسداد للأفق في سوريا، وذلك مما دفعهم إلى خطوات الانفتاح مجدداً على دمشق، عسى أن يتم الحل عبر المشاركة في مقاومة الانهيار وتحسين الأحوال.
وأشقاؤنا العرب، المحبون لسوريا وشعبها، يدركون تمام الإدراك ما سيتعرض له الشعب السوري إذا لم تنته الأزمة القائمة منذ اثني عشر عاماً، خاصةً في ظل نذر التصاعد الحالية في مناطق الشرق السوري، وانسداد الطريق أمام التفاهم بين دمشق وأنقرة.. مما يهدد بجعل سوريا مرة أخرى ساحةَ حروب بين الآخرين، وهي حروب لا علاقة للشعب السوري بها، ولذا فلابد من نزع الصاعق قبل الانفجار.

*وزير الثقافة السوري السابق