في ربيع عام 2022، مر الاقتصاد الأميركي بتحول مفاجئ مع انتقال الإنفاق الاستهلاكي من السلع إلى الخدمات، فازدهر السفر وتراجعت تجارة البيع بالتجزئة، وفاضت المستودعات بالمخزون الذي لم يرغب أحد في شرائه، وخضعت المصانع وصناعة الشحن لكساد جزئي. وحصلنا في الأيام القليلة الماضية على بيانات تشير إلى انتهاء هذا التغير. وانتهى كابوسنا الوطني الطويل المتمثل في تراجع المستهلكين عن «شراء الأشياء». وعلاوة على زيادة البناء السكني وعودة سوق العمل المتين، يعد هذا سبباً آخر للاعتقاد بأنه يجب أن يرتفع النمو الاقتصادي خلال الربعين المقبلين، والتحرك بعيداً عن الركود، مما يزيد من احتمالات تسارع التضخم مرة أخرى في عام 2024.
ولم تشعر أي فئة من فئات الاستهلاك بأنَّ تأثير تحول الإنفاق من السلع إلى الخدمات أكثر من أدوات الشواء في الخارج. فقد تراجعت مبيعات أدوات الشواء في عام 2022 إلى حد كبير، لأن الكثير من المشترين المحتملين ابتاعوا مشترياتهم خلال صيف الجائحة في عامي 2020 و2021. واستفادت شركة «تراجر» المصنعة لـ«أنظمة الطهي في الهواء الطلق» من جنون الشراء، ودفعها هذا إلى تدشين أول طرح عام أولي لأسهمها في عام 2021، لكن سرعان ما شهدت انهياراً لأسهمها بنسبة 90 بالمئة من ذروتها بنهاية العام التالي. لكن الرئيس التنفيذي للشركة، جيريمي أندروس، في دعوة لجني الأرباح في الأيام القليلة الماضية ذكر أن الشركة شهدت «استقراراً مستمراً في اتجاهات البيع»، وأشار إلى أن ضغوط التخلص من المخزون التي واجهتها شركتُه قد تكون على وشك الانتهاء. وارتفع سهم الشركة بنسبة 42 بالمئة في اليوم التالي وارتفع 100 بالمئة منذ بداية العام.
وشهدت شركة المفروشات المنزلية «إيثان آلن انتريورز» قفزةً في أسهمها بعد أن سجلت هوامش ربح أفضل من المتوقع. وذكرت الشركة أن تراكم الطلبات ما زال أعلى من مستويات عام 2019، مما يشير إلى أنها، على غرار بناة المنازل، تستفيد من بيئة بيع أكثر نشاطاً مما توقعه الكثيرون في الخريف الماضي حين كانت أسعار الفائدة ترتفع. ونقل متجر «وايفير» لتجارة السلع المنزلية بالتجزئة، عبر الإنترنت، أخباراً سارة، مشيراً إلى أن «موسم التسوق لأدوات الهواء الطلق انتعش بسرعة» في الجزء الأخير من هذا الربع. ومخزونها الآن يقترب من 150 بالمئة منذ بداية العام.

وهكذا انتعش الإنفاق على السلع لثلاثة أسباب: أولاً، منذ نحو عام حتى الآن، فاقت دخولُ العمال معدلَ التضخم، مما منحهم القدرةَ على شراء مزيد من السلع. وليس من المستغرب أن يذهب بعض ذلك إلى شراء «أشياء». وثانياً، كان التباطؤ الكبير في التضخم الذي حدث لدينا خلال العام الماضي من السلع وليس الخدمات. وانخفضت كلفة الطاقة بالنسبة للمستهلكين بنسبة 16.7 بالمئة آنذاك. واقترب تضخم المواد الغذائية من الصفر في الأشهر الأربعة الماضية بعد أن بلغ ذروتَه عند أكثر من 10 بالمئة. وبمجرد إزالة الغذاء والطاقة، انخفض تضخم السلع إلى أقل من اثنين بالمئة في العام الماضي. وتعد المداخيل القوية والأسعار المستقرة وصفةً لمزيد من الاستهلاك. وثالثاً، مر الآن ما يقرب من 18 شهراً منذ أن تراجع المستهلكون عن شراء سلع مثل أدوات الشواء والمفروشات المنزلية. ومر وقتٌ كافٍ لأن يكون هناك مجال للنمو. وقد لا نرى أبداً حجم مبيعات أدوات الشواء والثلاجات الصغيرة تقترب من مستويات الجائحة مرة أخرى، لكن ليس من المستغرب أن تبدو الاتجاهات في صيف عام 2023 أفضل مما كانت عليه في صيف عام 2022.

ونمو الإنفاق المعدل بحسب التضخم على السلع البالغ 3.1 بالمئة منذ بداية العام حتى الآن تجاوز معدلَ نمو الإنفاق الحقيقي على الخدمات بنسبة 1.4 بالمئة لأن المستهلكين تمكنوا أخيراً من تحقيق خطط سفرهم واستخدام رواتبهم المتزايدة لشراء سلع مادية مرة أخرى. وهذا يثير احتمال أن يرتفع تضخم السلع الذي هو خامد حالياً بعد أن ارتفع خلال الجائحة، في أرباع السنة القادمة. والشركات العاملة في مجال شحن البضائع وبيعها قد أخذت تنتبه فيما يبدو، بعد أن أظهرت حركة السكك الحديدية بعض القوة في الأسابيع القليلة الماضية في فترة ضعف موسمي من العام. وهناك علامة أخرى مزدهرة لضغوط الكلفة في المستقبل تتمثل في صعود مؤشر السلع لدى بلومبيرج الذي وصل إلى القاع في نهاية مايو الماضي. وتقترب أسعار النفط من أعلى مستوياتها منذ الخريف بعد ارتفاعها لستة أسابيع متتالية. والقلق هو من أن هذه القوة الاقتصادية، في حالة استمرارها، ستعني ارتفاع التضخم.
ولا تتوقعوا أن يبدأ كل هذا في الظهور في بيانات التضخم على الفور. وسيعكس مؤشرُ أسعار المستهلك الانخفاضات الأخيرة في أسعار السيارات المستعملة وتباطؤ تضخم المأوى لبضعة أشهر قادمة. ومع ذلك، فإن الانتعاش في النمو الاقتصادي الذي يتزايد دعمه من قطاع السلع ومعدل البطالة الذي لا يزال بالقرب من أدنى مستوياته في 50 عاماً يشير إلى تزايد احتمال عودة تسارع التضخم. وحلَّ سيناريو إعادة الإحماء هذا محل خطر الركود باعتباره أكبر مصدر لقلق المستثمرين.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»