منذ استيلاء الجيش على السلطة في ميانمار من حكومة منتخَبة عام 2021، سقطت البلاد في ما يشبه حرباً أهليةً قُتل فيها آلاف الناس. وحتى الآن، فشلت العقوبات التي فرضت على الجيش في وقف العنف. ويبدو أن الحرب الأهلية التي يبلغ عمرها الآن 29 شهراً ستستمر وتمتد إلى النصف الثاني من 2023 أيضاً. ومن الواضح أن الجيش لا يمارس سيطرة كافية على الوضع بسبب المعارضة المسلحة التي باتت تطرح تحديات متزايدة، رغم تمتع الجيش بتفوق كبير من حيث القوة البشرية والتسليحية. وتُطالب حكومة الوحدة الوطنية التي شكّلها أعضاء البرلمان المخلوع في ميانمار، عقب الانقلاب العسكري، بإعادة الديمقراطية، لكنها تقابَل بجدار حديدي. ولذا فإن هذه المواجهة الدموية من غير المرجح أن تسفر عن منتصر في الأجل المنظور.
وأدى العنف إلى تدفق آلاف اللاجئين على الهند، حيث دخلها أكثر من 50 ألف مدني عبر الحدود من ولاية تشين في ميانمار ومنطقة ساغائينغ إلى المنطقة الشمالية الشرقية للهند. كما شهد الانقلاب العسكري أعمال قمع ضد قبائل كوكي تشين. ونتيجة لهذا، تسللت العديد من قبائل ميانمار إلى ولايتي ماني بور وميزورام الهنديتين بحثاً عن ملاذ آمن. وأمام هذا الوضع، أقامت ميزورام، حيث تربط قسماً كبيراً من السكان روابط عرقية وثقافية وثيقة بالسكان على الجانب الآخر من الحدود، مخيماتٍ لأكثر من 40 ألف لاجئ.
هذا الأمر أدى إلى حالة من عدم الاستقرار على حدود الهند، وخاصة في ظل الإجراءات التي اتخذها المجلس العسكري ضد قبيلة كوكي تشين. ولذا قررت الهندُ تسجيل البيانات البيومترية للأشخاص الذين يدخلون من ميانمار في وقت تظل فيه الحدودُ غير المحكمة بين البلدين مصدرَ قلق أمني وسط اندلاع أعمال عنف في ميانمار. ويتمثل قرار الحكومة الهندية في مراقبة الحركة عبر الحدود وتسجيل اللاجئين على «قائمة بيومترية سلبية»، مما سيحول دون مطالبتهم بالجنسية الهندية مستقبلا.
وفي الأثناء، تُبذل جهودٌ من أجل إكمال السياج على طول الحدود بين الهند وميانمار. وحتى الآن، تم الانتهاء من إقامة سياج بطول 10 كيلومترات فقط من أصل حدود يبلغ طولها 1643 كيلومتراً بمحاذاة ولايات مانيبور وميزورام وناغا لاند وأروناتشال براديش الهندية. إذ باتت الحدودُ المليئة بالثغرات مصدرَ قلق أمني كبير وسط التطورات الأخيرة التي عرفتها ولاية مانيبور التي تمتلك تاريخاً مضطرباً. فعلى مدى سنوات، كان متمردون من مجموعات عرقية مختلفة يستهدفون قوات الأمن الهندية، ثم يلوذون بالمناطق الحدودية الجبلية مع ميانمار. ومؤخراً، أدى العنف العرقي الذي اندلع قبل أكثر من شهرين إلى مقتل ما يزيد عن 100 شخص ونزوح عشرات آلاف الأشخاص، في تحدٍّ آخر للأمن الداخلي الهندي. وكانت خصومات عرقية قديمة قد انفجرت بين قبيلتي مائيتي وكوكي، مما أدى إلى مقتل 100 شخص ونزوح أكثر من 650 ألف شخص.
اندلاع الأعمال العدائية العرقية كان له تأثير مدمر على ولاية مانيبور، التي تُعد بوابة «سياسة الشرق» الهندية الهادفة إلى تعزيز العلاقات مع جنوب شرق آسيا من خلال التجارة والاستثمارات والربط الطرقي. كما تشهد هذه الحدودُ المليئةُ بالثغرات تهريبَ المخدرات والأسلحة في وقت تعتبر فيه الوكالات الأمنية أن هذه الحقيقة قد زادت من تعقيد الوضع في ميانمار. وتنتهج الهند عملية توازن دقيقة بشأن ميانمار، إذ سمحت بدخول اللاجئين إلى البلاد، لكنها امتنعت عن ممارسة ضغوط سياسية على حكام ميانمار العسكريين و«مجلس إدارة الدولة» فيها. وتتمثل سياسة الهند منذ التسعينيات في مواصلة التعامل مع الحكام العسكريين لجملة من الأسباب، من تنامي النفوذ الصيني بالقرب من حدود الهند إلى مسائل الأمن الداخلي. وكان حكام ميانمار العسكريين يساعدون الهندَ في حماية حدودها في الشمال الشرقي حيث كان المتمردون ينفذون هجمات أثناء تحصّنهم بالمناطق الحدودية في ميانمار.
ومن جهة أخرى، لا تَرغب الهند في نفوذ صيني بلا قيود في ميانمار. وكان التعاون بين البلدين قد ازداد وتوسع من الطاقة إلى التعاون الدفاعي، حيث قامت نيودلهي بتزويد ميانمار بمعدات عسكرية مثل التوربيدات في السنوات القليلة الماضية. وقد تواصلت هذه السياسة حتى وسط التعقيدات المتعلقة بالتطورات الأخيرة في ميانمار حين أطاح الجيش بحكومة الزعيمة المنتخَبة أونغ سان سو كي في 2021 مما أفضى إلى نزاع واحتجاجات.
وما فتئت الهندُ تعيد التأكيد في عدة محافل أنها تريد السلام في البلد المجاور لها. كما دعمت اتفاقاً يشمل جهود وساطة يقوم بها مبعوث خاص من منظمة «آسيان». لكن الاضطرابات في ميانمار بدأت تؤثّر على بلدان أخرى مجاورة. فعلى غرار الهند، تستقبل بنغلاديش على أراضيها أعداداً كبيرة جداً من اللاجئين البورميين، حيث يعيش حوالي 919 ألف لاجئ في مخيمي كوتوبالونغ ونايابارا للاجئين في منطقة كوكس بازار البنغالية. وقد احتج عشرات الآلاف من لاجئي ميانمار في بنغلاديش مطالبين بالعودة إلى بلادهم.
بنغلاديش التي تتعرض لضغوط هائلة من اللاجئين تطلب من الوكالات الدولية المساعدة في إعادتهم إلى بلدهم. لكن اللاجئين يرفضون العودة لأسباب أمنية. وبينما تتجه بنغلاديش إلى انتخابات عامة في غضون ستة أشهر، فمن غير الواضح الاتجاه الذي ستتجه إليه الأمور بهذا الشأن.

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي