لم يفاجئني حديث  المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا «غير بيدرسون» أمام مجلس الأمن في الإحاطة التي قدمها يوم 24 يوليو 2023، إذ أَدرك السوريون أن الأمم المتحدة غير قادرة على تحويل «الحل السياسي» الذي أقرَّه مجلس الأمن عبر القرار 2254، من الورق إلى الأرض. وهذا ما جعل بيدرسون يتجاهله في إحاطته الأخيرة ولا يجد ما يتعلق به غير اللجنة الدستورية المعطلة.

لقد أخفق مجلس الأمن حتى في إصدار قرار بتمديد دخول المساعدات إلى الشمال السوري، وما يزال الفيتو الروسي يتحكم في توجهات المجلس، ويؤكد أن الدولةَ القادرةَ على فرض حل للأزمة السورية هي روسيا وحدها. الأشقاءُ العربُ جرَّبوا أن يطووا صفحة الماضي ويفتحوا صفحة جديدةً، ومدوا يد العون والمساعدة عبر مستحقات التسوية السياسية الممكنة للأزمة السورية، لكن بيدرسون قال في إحاطته «إن الخطوات العربية المنفتحة على دمشق لم تترجَم على أرض الواقع».

ولا بد من تأمل عميق لحالة المعاناة في اعتراف رئيس مجلس الوزراء السوري أمام البرلمان، خلال جلسة استثنائية عقدت مؤخراً، حيث قال إن حكومتَه غير قادرة على إيجاد حلول أمام الكارثة الاقتصادية.

يخطر لي أحياناً أنه من الحلول ما يشبه الدواء المر، ومنه أن تتحمل روسيا مسؤولياتِها أيضاً، كونها الدولة التي حمت الحكومة السورية عبر تدخلها العسكري، وهي التي رعت ما سمته «المصالحات»، وهي مَن صاغ القرار 2254، وهي التي سحبت المفاوضات من جنيف إلى آستانة وسوتشي، وهي من استخدم الفيتو مرات عدة دفاعاً عن الحكومة السورية.

ورغم أن السوريين لا يقبلون بقاءَ أي جيش من الجيوش الأجنبية الموجودة في سوريا، فضلاً عن الميليشيات الطائفية، فإنهم لو خُيِّروا مضطرين بين الميليشيات الطائفية وبين روسيا فسيختارون روسيا لأنها لن تتدخل في عقائدهم، وقد تكتفي بتحقيق مصالحها وقواعدها العسكرية، كما لن يطول بقاؤها في سوريا، إذ ليس لديها طموح توسعي ولن تعتبر سوريا مقاطعةً روسيةً.

لكن على روسيا أن تتحمل مسؤولياتٍ تشبه مسؤوليات دول الانتداب الذي عرفه السوريون حين قامت فرنسا باحتلال سوريا ولبنان، لكنها كانت مسؤولةً عن تحقيق استقرار سياسي نسبي، وعن إيجاد نظام برلماني مستقل، وعن تأمين نظام اقتصادي، وعن فرض الأمن الاجتماعي وتطوير التعليم وتقديم الخدمات الصحية والجهود التنموية وشق الطرق وبناء المؤسسات التي بقيت عقوداً بِنيةً أساسية في سوريا، وتطبيق أنظمة قانونية عبر قضاء عادل.. إلخ.

وبالطبع فإني لا أمتدح نظام الانتداب الفرنسي، لكن علينا أن نذكر أنه خلال انتداب فرنسا على سوريا (1920- 1946)، ورغم الثورات السورية المتلاحقة ضده، فإن البلاد لم تتعرض للتدمير والتهجير. وللطرافة أذكر أن سعرَ الدولار الأميركي في عام 1947 كان ليرتين سوريتين وتسعة عشر قرشاً.

ورغم أن الليرة فقدت نصفَ قيمتها في الستينيات فقد بقي سعرُ الدولار أقل من أربع ليرات، لكنه اليوم يصل أربع عشرة ألف ليرة، مما ينذر بحدوث أزمة معيشية شاملة. أُدرك أن الأشقاء العرب لن يتخلوا عن مسؤولياتهم إزاء السوريين، لكن ثمة مسؤولية تقع الآن على عاتق الجانب الروسي، لأنه قوة عسكرية على الأرض، وقوة سياسية صاحبة فيتو في مجلس الأمن الدولي.

*وزير الثقافة السوري السابق