في الشهر الماضي، أصدر مجلس البيت الأبيض للمستشارين الاقتصاديين مذكرة تقارن معدلات التضخم في دول مجموعة السبع - وهي الاقتصادات المتقدمة الرئيسية. هذا أصعب مما قد يبدو، لأن البلدان المختلفة تقيس أسعار المستهلك بطرق مختلفة. على وجه الخصوص، يتعامل مؤشر أسعار المستهلك الأميركي مع الإسكان بشكل مختلف عن المقاييس الرسمية المقابلة في الدول الأوروبية، بطرق جعلت التضخم في الولايات المتحدة يبدو أكثر استمراراً مما هو عليه في الواقع.

أصبحت أميركا الآن استثناءً بشكل واضح، حيث انخفض التضخم إلى ما دون المعدلات في الاقتصادات الكبرى الأخرى. وأظهر أحدث تقرير عن أسعار المستهلك انخفاضاً إضافياً في التضخم، ومن المحتمل أن يكون قد أدى إلى اتساع الفجوة بينها وبين الاقتصادات الكبرى الأخرى. لكن بينما برزت الولايات المتحدة بشكل جيد على أنها استثناء، فيما يتعلق بالتضخم، برزت بريطانيا على أنها استثناء بطريقة سيئة. فلا يزال التضخم البريطاني آخذاً في الارتفاع، مع وجود القليل من علامات التقدم الواضحة. كما شهدت بريطانيا أيضاً انتعاشاً ضعيفاً بشكل ملحوظ بعد الركود الذي شهدته بسبب الجائحة.

إذن ما هي المشكلة مع بريطانيا؟ تحذير: سأكون أكثر حذراً من المعتاد، وهذا لسببين: الأول هو أنني لا أعرف كيفية التعامل مع البيانات والمؤسسات البريطانية كما أتعامل مع تلك الخاصة بالولايات المتحدة. والآخر هو أن السجل الاقتصادي الضعيف لبريطانيا بدا في الآونة الأخيرة محيراً من بعض النواحي. علاوة على ذلك، فإن الاقتصاديين البريطانيين الذين أثق بوجه عام في حكمهم يبدون أيضاً مرتبكين إلى حد ما بسبب مدى السوء الذي تمضي به الأمور. والتقارير الأخيرة الصادرة عن صندوق النقد الدولي، والتي عادة ما تُظهر حالة من اليقين، تستخدم كلمات مثل «محير» لوصف التطورات البريطانية. بشكل خاص، يبدو أن التفسيرات أحادية السبب مثل «الأمر كله يتعلق بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)» أو «الأمر كله يتعلق بالإيديولوجية اليمينية»، بقدر ما أرغب في قبولها، إلا أنها غير مقنعة.

إذن ماذا يمكن أن نقول عن بريطانيا؟ بشكل عام، كانت استجابة السياسة لكوفيد والتأثيرات الأولية لتلك الاستجابة متشابهة في جميع أنحاء العالم المتقدم. فقد أدى الوباء إلى تعطيل الاقتصادات مؤقتاً، إذ أدت عمليات الإغلاق والخوف العام من العدوى إلى منع العديد من الأشخاص من العمل. وأدى تحول الطلب إلى السلع بدلاً من الخدمات الشخصية (على سبيل المثال، شراء معدات التمرين بدلاً من الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية) إلى إجهاد سلاسل التوريد، وما إلى ذلك. كما أدت حرب أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة في جميع أنحاء العالم، وجعل الاقتصادات أكثر فقراً بشكل مؤقت. ومع ذلك، تدخلت الحكومات للحد من المصاعب الاقتصادية من خلال مساعدة العاطلين عن العمل، وتقديم إعانات للشركات للحفاظ على رواتب العاملين، وما إلى ذلك.

وقد أدى هذا إلى استمرار القوة الشرائية حتى مع انخفاض قدرة الاقتصادات على توريد السلع والخدمات مؤقتا. وكان انفجار التضخم هو النتيجة الطبيعية، ويمكن القول: إنه أمر جيد، بالنظر إلى البدائل. ولكن في هذه المرحلة، تلاشت الصدمة الأولية للوباء إلى حد كبير، وبدأت النتائج الاقتصادية تتباين. من وجهة نظر خبير اقتصادي أميركي، كان يتابع البيانات منذ ظهور جائحة فيروس كوفيد، تشبه التطورات البريطانية بعد الوباء بشكل مذهل ما كنا نخشى حدوثه هنا ولكنه لم يحدث. كنا قلقين من استمرار الاستقالة العظمى (أو الخروج العظيم وهو اتجاه اقتصادي يستقيل فيه الموظفون طواعية من وظائفهم بشكل جماعي، بدءاً من أوائل عام 2021، وبشكل أساسي في الولايات المتحدة. قِيل: إن الاتجاه هو بسبب وباء كورونا) مما يقلل من المعروض من العمالة على المدى الطويل.

وبدلاً من ذلك، تجاوزت أميركا توقعات التوظيف السابقة للوباء، لكن بريطانيا شهدت بالفعل ما يشبه انخفاضاً دائماً في المشاركة في القوى العاملة. كنا قلقين بشأن دوامة الأجور، والتي لم تحدث هنا (في الولايات المتحدة) ولكنها قد تحدث هناك (في بريطانيا). كنا قلقين بشأن «الآثار» التي من شأنها أن تترك الاقتصاد على مسار نمو منخفض بشكل دائم، الأمر الذي، مرة أخرى، لم يحدث هنا ولكنه قد يحدث هناك. فلماذا هذا الاختلاف؟ هل هذا بسبب بريكست؟

توقع معظم الاقتصاديين، بمن فيهم أنا، أن يؤدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى خسائر في الكفاءة تصل إلى نسبة قليلة من الناتج المحلي الإجمالي. على الرغم من أن بريطانيا قد تراجعت بنحو 5% عن دول مماثلة منذ بريكست، إلا أن بعضاً من ذلك ربما يعكس عوامل أخرى، لذلك لا تزال هذه التقديرات المبكرة تبدو قابلة للدفاع عنها. وهذا التأثير على الكفاءة هو بالتأكيد جزء من مشكلة بريطانيا.

ومع ذلك، فإن إحدى النتائج المتوقعة على نطاق واسع لبريكست، أي انخفاض المعروض من العمالة البريطانية نتيجة انخفاض الهجرة، لم تحدث، أو على الأقل لم تحدث بالطريقة التي توقعها الكثيرون. تستقبل بريطانيا عدداً أقل من العمال الأوروبيين، لكن يبدو أنها قامت بتعويض الفرق من خلال السماح بدخول المزيد من العمال من أجزاء أخرى من العالم. والآن، قد لا يمتلك هؤلاء العمال نفس المهارات، وقد يكون النقص في أنواع معينة من العمالة المهاجرة عاملاً في التضخم. على سبيل المثال، يشير مكتب الإحصاء الوطني البريطاني إلى أن أحد أسباب الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية هو نقص العمالة «الذي أدى إلى عدم حصاد بعض المحاصيل». ومع ذلك، في حين أن بريكست ربما كان عاملاً في التضخم البريطاني، فمن الواضح أنه لم يكن السبب الوحيد. كما أنه ليس الجانب الأكثر تميزاً في الاختلاف البريطاني.

لكن السبب يعود إلى الانخفاض الحاد في النسبة المئوية للبريطانيين في سن العمل المشاركين في القوة العاملة، وهو ما يسميه صندوق النقد الدولي «ارتفاعاً» في الخمول (عدم النشاط). فقد كان هناك ارتفاع كبير في نسبة البالغين البريطانيين الذين لا يعملون ولا يبحثون عن عمل، خاصة بين أولئك الذين تزيد أعمارهم عن 50 عاماً.

أما في الولايات المتحدة، فلم يكن هناك سوى ارتفاع طفيف في عدم النشاط بين البالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و49 عاماً، ولم يكن هناك أي ارتفاع على الإطلاق بالنسبة للمجموعات الأخرى، وبفضل تراجع البطالة، لم تنخفض نسبة الأميركيين الأكبر سناً الذين يعملون بالفعل على الإطلاق. (تنبيه: من المرجح أن يكون البالغون في بريطانيا في القوى العاملة أكثر من نظرائهم الأميركيين).

والحقيقة هي أن الولايات المتحدة لديها مشاكل كبيرة وطويلة الأجل في توفير الوظائف، خاصة في المناطق المتأخرة. لكن هذه المشاكل لم تتفاقم منذ الوباء، بينما ساءت مشاكل بريطانيا. والسبب، وفقاً للدراسات الاستقصائية، هو أن بريطانيا، الفريدة من نوعها بين الدول المتقدمة الرئيسية، قد شهدت زيادة في عدد كبار السن الذين يتركون القوى العاملة بسبب المرض طويل الأمد مرة أخرى، كنا نخشى حدوث شيء هذا في الولايات المتحدة ولكنه لم يحدث.

وهذا يقودني إلى أزمة الخدمة الصحية الوطنية في بريطانيا، وهي رمز وطني يبدو أنه يعاني من نقص التمويل وسوء الإدارة. لماذا سارت الأمور بشكل سيئ للغاية بالنسبة لهيئة الخدمات الصحية الوطنية؟ هذا موضوع كبير في حد ذاته وأشعر أنني بحاجة إلى إجراء المزيد من البحث فيه قبل الحديث عنه. وهنا أود أن أنهي مقالي بنوع من التقييم لمشاكل بريطانيا: إدارة الاقتصاد في مواجهة الصدمات الشديدة أمر صعب. ويبدو أن بريطانيا قامت بهذه المهمة بشكل سيئ. كما يبدو أن أميركا، بغض النظر عن رأي منتقدي الإدارة الحالية، تعاملت مع فيروس كورونا وتداعياته بشكل جيد نسبياً.

*اقتصادي أميركي

حاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد،

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»