تؤكد العديد من الدراسات والتصريحات السياسية أن المستقبل لقارة آسيا، حيث إن 60% من سكان العالم (حوالي 5 مليارات من البشر) هم من قاطني قارة آسيا، و64% من الشحنات البحرية تأتي من تلك القارة، و60% من الاختراعات تأتي من آسيا، و48% من الطلاب الدوليين هم من تلك المنطقة الجغرافية. كما يوجد بآسيا ثلث المدن الكبيرة في العالم، ويشكل اقتصادها ثلث الاقتصاد العالمي، وثلثي معدلات النمو، كما يوجد فيها ستة من أكبر عشرة مصارف، وستة من أكبر عشرة جيوش في العالم، كما أن بها خمس دول تمتلك قوة نووية، بالإضافة إلى عدد كبير من الجامعات المميزة. ما سبق يجعل آسيا مرشحة وبقوة كي تصبح قارةً مزدهرةً قادرة على تجاوز الغرب المثقل بالمشكلات والتحديات.

وفي هذا السياق تستشرف العديد من الدراسات أن وهن الغرب وارتحال القوة إلى آسيا سيؤدي إلى عالم متعدد الأقطاب أكثر من أي وقت مضى، وأنه ربما تكون من أبرز معالم هذا التحول: أولاً: تغييرات في السياسة العالمية تتماشى مع واقع عالم متعدد الأقطاب تؤدي فيه آسيا الدور الرئيسي.

ثانياً: الاستخدام المكثف للعملات الوطنية وبشكل أكثر فاعلية في التعاملات البينية بين الدول. ثالثاً: إزالة المزيد من الحواجز أمام سلاسل التوريد في العالم.

رابعاً: تزايد مساحات استقلال الدول عن الغرب. كما تنظر العديد من الدراسات الاستشرافية لنهضة خليجية تواكب تلك النهضة الآسيوية، والتي هي جزء منها، وهي أيضاً نهضة مرتبطة بعوامل عديدة أخرى، من أهمها: تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية، وامتلاك دول الخليج في المقابل فوائض مالية كبيرة، فضلاً عن أنها من الفاعلين الرئيسيين في ضبط أسواق الطاقة العالمية، وأنها أصبحت عامل جذب للخبرات الدولية في كافة المجالات.

وهناك دراسة لمركز تريندز للبحوث أكدت: أنه لكي تلعب الصين دورها الكامل كقوة عظمى في مشهد العلاقات الدولية في السنوات القادمة، يجب عليها أن تَعبُر من خلال منطقة الشرق الأوسط وخصوصاً المنطقة العربية، تماماً كما عبرت الولايات المتحدة من خلال أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. وأكدت الدراسة أن هذا السياق سيسمح لدول الخليج بوزن كوزن أوروبا في النظام العالمي القديم.

وخلصت الدراسة إلى أن دول الخليج (البوابة الشرقية للعالم العربي والأقرب جغرافياً للصين وروسيا) ستكون مركز التأثير والقوة في المنطقة، كما كانت البوابة الغربية (الأقرب جغرافياً للغرب) في النظام العالمي القديم. ولكن في المقابل، يتصاعد الصراع في شرق القارة بشبه الجزيرة الكورية، ويحتدم التنافس بين الصين وكل من اليابان وكوريا الجنوبية، وتمثل أزمة تايوان القضية الرئيسية التي ربما سيُحسم من خلالها إعادة تشكُّل النظام الدولي.

وفي منطقة جنوب آسيا والمحيط الهندي لا تتوقف الهند عن الصعود والتنافس مع الصين، كما تتزايد التخوفات بشأن التنظيمات المتطرفة في أفغانستان وباكستان، ولا تزال الحرب الروسية الأوكرانية على أشدها، بالإضافة إلى توترات كوريا الشمالية (دولة نووية) مع جيرانها... إلخ. فهل ستنتصر مؤشرات ارتحال القوة والازدهار لآسيا على حساب الغرب الآخذ في الأفول، أم ستتفاقم التحديات وتنفجر المشكلات لتعطل تلك المسيرة؟ يتوجب على مراكز البحوث والمختصين المتابعة الحثيثة في قابل الأيام لكل التطورات في القارة الآسيوية للمساهمة في الإجابة عن هذا السؤال.

وفي كل الأحوال، يعتمد مستقبل آسيا على مدى توافق وتعاون دولها في ما بينها وحل مشكلاتها، بعيداً عن التصعيد واستخدام القوة، وعلى مدى استثمارها للسياق العالمي المواتي لارتحال مصادر القوة بشكليها الصلبة والناعمة إليها.

*باحث - مدير إدارة الباروميتر العالمي- مركز تريندز للبحوث والاستشارات