منذ أن أعلن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة كان لدى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، يقين بأن الدولة الناجحة هي التي تُبنى على العلم والمعرفة، وأن المستقبل لن يزدهر وتتحقق التطلعات الاستراتيجية لدولة الإمارات العربية إلا ببناء أجيال تعتمد على العلم. فبدأت الدولة رحلتها في ابتعاث شباب الإمارات إلى الجامعات الكبرى حول العالم منذ عام 1972، واستمرت رحلة الابتعاث تنمو وتحقق المردود الإيجابي في عملية تطوير القدرات وتنمية المهارات التي أسهمت على مدار السنوات الماضية وما زالت تحقق إسهاماتها في تنمية وبناء الشخصية الإماراتية المرتكزة على العقل والعلم والمعرفة والثقافة، حيث تعد السياسة الحكومية للابتعاث المكثف للطلاب الإماراتيين إلى الخارج أحد الأسباب الرئيسية لتطور الإمارات الحديثة وتحقيقها لمستوى عالٍ من التنمية والتقدم في كافة المجالات. يتيح الابتعاث الحصول على التعليم العالي والتدريب في جامعات ومؤسسات عالمية.

ومن خلال هذه الفرصة، يمكن للطلاب والموظفين تحقيق نجاحات مهنية وأكاديمية مهمة وتعزيز قدراتهم في العودة إلى الإمارات، وتطبيق ما تعلموه في تنمية وطنهم. لكن هناك وجه آخر يواجه المبتعثين، وهو مجموعة من التحديات التي قد تؤثر بصورة مباشرة وغير مباشرة على هويتهم الوطنية والثقافة الإماراتية.

ومن أهم هذه التحديات: العزلة الثقافية، قد يواجه الطالب الإماراتي المبتعث صعوبات في الاندماج في المجتمعات الجديدة، وخاصة مع التباين الثقافي في جوانب عديدة ومهمة واختلاف الثقافة واللغة، والذي يكون حاداً في بعض الجوانب الثقافية، وقد يدفع هذا الطالب إلى العزلة الثقافية عن المجتمع الذي يدرس به، ومما لا شك فيه أن هذه العزلة تؤثر سلباً على الشعور بالراحة والأمن النفسي، وفي النهاية يؤثر ذلك على التجربة وتحقيقها المردود المطلوب من التعليم والتعلم وبناء جسور من التعايش الثقافي مع المجتمعات الأخرى.التفريط الثقافي: على نقيض حالة العزلة، قد يتجه الطالب الإماراتي إلى الاندماج الثقافي بصورة مفرطة في المجتمعات التي يدرس بها، وبتطور حتمي لا واعٍ قد تتحول قناعاته وتتأثر منظومة القيم والثقافة الوطنية لديه، وتؤدي إلى حالة من التفريط في الهوية، وعند العودة للوطن يحدث عدم انسجام بين هذه المتغيرات والمفاهيم ما قد يؤثر بصورة مباشرة وغير مباشرة في المحيطين به على المدى البعيد، وهذا يُحدث تغيراً بطيئاً في هوية المجتمع.

معظم أبنائنا في الابتعاث يحملون حالة من التوازن الثقافي والنفسي القادر على الاندماج الثقافي والاجتماعي مع المجتمعات الأخرى، وهو اندماج تعايش لا اندماج ذوبان، هذا الاندماج الذي يجعل منهم واجهة للوطن وسفراء له كما أشار صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، في أكثر من مناسبة.

ومع توفر الدعم اللازم من قبل الجهات المعنية والمجتمع الإماراتي، والتواصل والدعم النفسي المستمر لكل أبنائنا في الخارج يمكن تجاوز هذه التحديات وتعزيز الهوية الوطنية للطلاب، التي تبقيهم جميعاً في المنطقة الخضراء الآمنة، التي تتوسط العزلة والتفريط لتحقيق الأهداف الرئيسية للابتعاث، وهو بناء قدرات الشباب الإماراتي وتعزيز ثقافة التعايش والتسامح وتعميق التعاون مع الدول والمجتمعات الأخرى من أجل تحقيق الخطط الاستراتيجية لمستقبل دولة الإمارات العربية المتحدة.

*باحثة إماراتية في الأمن الاجتماعي والثقافي، أستاذ زائر بكليات التقنية العليا للطالبات، أستاذ زائر بجامعة الإمارات العربية المتحدة.