لا يخلو لقاء بين السوريين من الحديث عن أوضاعهم في الداخل والخارج، وتكثر التحليلات والتوقعات والمناقشات، بين تفاؤل غائم بحل قادم من خلال عودة سوريا إلى الجامعة العربية واستعادة علاقاتها مع الدول الشقيقة، وبين رؤية قلقة مضطربة لا ترى أملاً في الوصول إلى مخرج ما دامت مناطق من البلاد خاضعة لنفوذ قوى أجنبية، وما دام الشمال السوري أمام أفق مسدود، وقد عادت المواجهات العسكرية فيه تباغت السكان بقصف في المنطقة الغربية، حيث تحلق الطائرات وتستهدف مدناً مثل جسر الشغور وأريافاً في محيط إدلب وحلب.. وما دامت القضية الكردية عالقةً دون رؤية واضحة لحل.

وقد تحدَّث الإعلام عن مبادرة عربية تواكب العودةَ إلى الجامعة، لكن الحديث عن هذه المبادرة خفت في الإعلام وفي أروقة السياسة. وبدلاً من التفاؤل بتحسن متوقَّع على الصعيد الاقتصادي في سوريا بعد العودة إلى القمة، لاحظ السوريون تراجعاً جديداً لقيمة الليرة مقابل الدولار الأميركي، وهذا ما زاد معاناة الشعب السوري في وقت يصعب فيه على الحكومة السورية رفع الرواتب والأجور لترميم الانهيار الضخم. وثمة خوف من تفاقم حالة الليرة إذا ما بقي الحال على ما هو عليه.

كما تفاءل السوريون بأن تنتهي صناعة وتجارة «الكبتاغون» التي أقلقت العالمَ كلَّه، لكن عمليات التهريب ازدادت وبات قانون مكافحة «الكبتاغون» قيد التوقيع في البيت الأبيض الأميركي، وهذا ما سيزيد الحصار على البلاد. ويرى فريق من السوريين أن سلطات بلادهم في بعض المناطق ربما باتت غير قادرة على تفكيك شبكات صناعة «الكبتاغون» وتهريبه؛ لأن هذه الصناعة خاضعة لمراكز نفوذ مليشاوية مسلحة، ولأن المخدرات باتت أهم مصادر التمويل بالنسبة لهذه المليشيات.

وعلى الصعيد السياسي، يرى بعض السوريين أن توجه العرب نحو توثيق الصلة مع الحكومة السورية لم يصاحبه توجه مماثل من الدول الغربية ذات الحضور في الحالة السورية، والتي لا تريد عودة سوريا إلى نسيجها العربي، وتشكل عائقاً أمام أية مبادرات محتملة باتجاه الحلول، لأنها تخشى أن يضعف حضورها حين يقوى ساعد الحكومة بأشقائها العرب.

وعلى الرغم من مرحلة الفتور الراهنة، فإن الولايات المتحدة والغرب عامة يدفعون باتجاه التسخين، فقد رفعت هولندا وكندا قضيةً أمام محكمة العدل الدولية ضد سوريا، وأنشأت الأمم المتحدة مؤسسةً دوليةً مستقلة للكشف عن المفقودين، وهناك مشروع قانون أميركي يمنع الحكومة الأميركية من تطبيع العلاقة مع الحكومة السورية، ويجري إعداد قوانين أخرى تشدد الحصار على سوريا، فضلاً عن دعم القوات الأميركية الموجودة في شرقها بأسلحة جديدة وتوسيع مناطق وجودها في الشمال الشرقي والسعي لدعم قوات سوريا الديمقراطية.. وكل هذا يجعل السوريين عامةً قلقين من توقع صدام عسكري واسع يكون فيه سكان المنطقة من المدنيين ضحايا حروب جديدة، ولن يكون بوسعهم الهرب أو اللجوء إلى تركيا كما حدث في السنوات الماضية.

وأظن أن الأشقاء العرب ينتظرون استجابة الحكومة السورية للمقترحات العربية التي حددها اللقاء التشاوري للوزراء العرب في عمان في الأول من شهر أيار الماضي، وقد عبّر وزير الخارجية الأردني عن الموقف بقوله: «إن التحديات في سوريا كبيرة، والوضع الراهن هناك لا يمكن أن يستمر».

وأخشى إن استمر الوضع دون إسراع بحل سياسي عاجل أن يستعاد الحل العسكري في الشمال، مع خطر تحول البلاد إلى ساحة صراع دولي تتم فيه تصفية حسابات خارجية لا شأن للسوريين بها، لا سيما أن المتغيرات الدولية الراهنة بدت متسارعةً بعد قمة «الناتو» الأخيرة في ليتوانيا.

*وزير الثقافة السوري السابق