تؤثر المعابر المائية الحيوية في سوق الطاقة العالمية. وهذه المعابر هي مناطق على الخريطة قد تسبب الفوضى الناتجة عن تقلبات الطبيعة أو نزوات السياسيين في حدوث اختناقات فيها. فمثلاً شهدت قناة السويس أزمة جيوسياسية هزت العالم عام 1956، وأدى أيضاً أحدثُ جنوح لسفينة حاويات فيها إلى احتشاء وسائل التواصل الاجتماعي والتجارة العالمية أيضاً. وهناك قناة أخرى لا تختنق تماماً في الوقت الحالي، لكنها بدأت تتعثر. فقناة بنما تعاني من «جفاف غير مسبوق» بحسب هيئة إدارة القناة.

وقد تكون الآثار المترتبة على أسواق الطاقة، وخاصة الغاز الطبيعي، بعيدة المدى، مما يؤدي إلى إبطاء الطرق الحالية مع خلق فرص لطرق جديدة. والقناة التي كانت من عجائب العالم الحديث، لأنها توفر طريقاً مختصراً بين المحيطين الأطلسي والهادئ، أصبحت طريقاً تجارياً رئيسياً للغاز الطبيعي المسال، من ساحل الخليج الأميركي إلى أسواق النمو في آسيا، بعد توسع كبير اكتمل في عام 2016.

لكن نظامهَا من البحيرات والأقفال الاصطناعية يتطلب هطول أمطار غزيرة لاستيعاب الغواطس العميقة للسفن الكبيرة. وكجزء من الجهود المبذولة للحفاظ على المياه وإبقاء الممر يعمل، قامت هيئة إدارة القناة بخفض الحد الأقصى للغاطس المسموح به على الأقفال الأحدث التي تحمل أكبر السفن. ومن الناحية النظرية، يجب ألا يؤثر هذا على ناقلات الغاز الطبيعي المسال التي تتمتع بغاطس أقل عمقاً من الحدود الحالية.

ومع ذلك، يشير دوج براون، المدير البحري للغاز الطبيعي المسال في شركة بوتن آند بارتنرز الاستشارية، إلى أن شحنات الحاويات، الأكثر تضرراً، قد تحتاج إلى تقسيمها إلى سفن متعددة حتى تستطيع المرور. ونظراً لأن القناة بها عدد كبير جداً من الفتحات المتاحة يومياً، فقد تؤدي الحركة المرتفعة للناقلات إلى حدوث اختناقات من تلقاء نفسها.

ومن الصعب تحديد مقدار الغاز الطبيعي المسال الذي يمر عبر قناة بنما بالضبط. ويتعقب صندوق بلومبيرج للطاقة الجديدة عددَ الناقلات المحملة التي تعبر القناة. وبناءً على هذه الأرقام وعدد كبير من الافتراضات، ربما يبحر 5% من تجارة الغاز الطبيعي المسال العالمية عبر القناة.

وبافتراض أن الغالبية العظمى من هذه الشحنات قادمة من الولايات المتحدة، فإن القناة تتعامل مع نحو 60% من صادرات أميركا من الغاز الطبيعي المسال إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وهذه النسبة ترجمت إلى 261 عملية عبور محملة في عام 2021، وفقاً لبيانات صندوق بلومبيرج للطاقة الجديدة.

لنفترض أن متوسط سعة كل ناقلة يبلغ 174 ألف متر مكعب، أي أنها محملة بنسبة 98.5%، وهذا يعادل نحو 20 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال أو 27 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، وهذه الافتراضات طرحها دوج براون من شركة بوتن آند بارتنرز. ويعادل هذا الرقم 5.3% من تجارة الغاز الطبيعي المسال العالمية أو 59.5% من صادرات الغاز الطبيعي المسال الأميركية إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ في عام 2021، باستخدام إحصاءات التجارة التي نشرتها شركة بريتيش بتروليوم.

وتستغرق ناقلة الغاز الطبيعي المسال في المتوسط 21 يوماً للإبحار من ساحل الخليج إلى اليابان عبر قناة بنما، مقارنةً مع 34 يوماً تستغرقها حين تتجه شرقاً عبر السويس، وفقاً لصندوق بلومبيرج للطاقة الجديدة. ويعني وقت الإبحار الأقصر تكاليف أقل، بما في ذلك حرق وقود أقل. لكن هذه الأرقام قابلة للتغيير أيضاً، نظراً لأن السفن التي لم تحجز مكاناً في وقت مبكر بما يكفي، قد تضطر للانتظار لأيام أو حتى أسبوع أو أسبوعين لدخول القناة.

وعلى المدى القريب، من غير المحتمل حدوث اضطراب في تجارة الغاز الطبيعي المسال بين الولايات المتحدة وآسيا. فإذا قررت شركة الشحن أن طريق قناة بنما محفوف بالمخاطر، فمن المحتمل أن يقتصر شحنه باتجاه الشرق بدلاً من ذلك، ودفع الكلفة الإضافية. وعلاوة على ذلك، أدت الحرب في أوكرانيا، وما صاحبها من اضطراب في صادرات الغاز عبر خطوط الأنابيب الروسية، إلى الاعتماد على عدد أكبر من شحنات الغاز الطبيعي المسال الأميركية عبر المحيط الأطلسي.

وانخفض عدد ناقلات الغاز الطبيعي المسال التي تَعبر قناة بنما بنحو 30 بالمئة السنة المالية لهيئة الإدارة المنتهية في سبتمبر 2022، وتضمنت الأشهر السبعة الأولى من الحرب. وقد تؤدي الحرب المستمرة، إلى جانب شتاء أقسى في أوروبا في وقت لاحق من هذا العام، إلى انخفاض حركة المرور. والسؤال المطروح على سوق الغاز العالمي يتعلق بالمناخ في بنما على مدى العقود القادمة. ومع الإعلان عن تدابير للتعامل مع الجفاف، حذَّر مشغّل القناة من أن الوصول المتوقع لظاهرة النينو قد يفاقم الأمور.

والأهم من ذلك، أنه أضاف أن ما كان في السابق دورة مدتها خمس سنوات بين فترات الجفاف قد تسارعت إلى مرة كل ثلاث سنوات. ومن الصعب تحديد مدى صحة هذا النمط، لكنه يقدم فئة إضافيةً من المخاطرة إلى معبر حيوي للتجارة، بما في ذلك الغاز الطبيعي المسال. وهنا قد تأتي فرصةُ مشروعات الغاز الطبيعي المسال على ساحل المحيط الهادئ في أميركا الشمالية.

وهناك مشروعان كبيران للتصدير قيد الإنشاء بالفعل، أحدهما في باجا كاليفورنيا، المكسيك، والآخر في مقاطعة بريتش كولومبيا الكندية. والميزة الكبيرة لهذه المشروعات، سواء كانت حقيقية أم محتملة، هي قربها من أكبر وأسرع سوق للغاز الطبيعي المسال نمواً على هذا الكوكب. وتستغرق الرحلة من باجا إلى يوكوهاما أقل من أسبوعين، وتستطيع سفينة أن تبحر من كيتيمات في بريتش كولومبيا الوصول إلى هناك في غضون عشرة أيام. وكل ذلك دون الحاجة إلى دفع رسوم المرور، وانتظار الدور أو ترقب هطول الأمطار في بنما.

وعلى مستوى أوسع، أدت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا إلى إعادة التأكيد على ضرورة عدم الاعتماد بشكل كبير على هذا البلد أو ذاك في إمدادات الطاقة الحيوية. وينطبق الشيء نفسه على المعابر المائية.

 

*كاتب أميركي يغطي شؤون الطاقة

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشين»