أقدم مواطن سويدي صبيحةَ أول أيام عيد الأضحى على تمزيق صفحات من المصحف الشريف وإهانتها على نحو مستفز ثم حرقها، فيما كان زميل له يتحدث في مكبر صوت ولم تنقل وكالات الأنباء نص ما قاله، وتم ذلك على مرأى من حوالي 200 مشاهد.

وهناك ثلاث ملاحظات أساسية على هذه الواقعة التي لا تسيء للإسلام فحسب وإنما لكل القيم النبيلة للإنسانية كما عبَّرت عنها «وثيقة الأخوّة الإنسانية» التي رعت دولة الإمارات توقيع شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان عليها في أبوظبي عام 2019.

والملاحظة الأولى تتعلق بالواقعة كعمل من أعمال الكراهية ضد الإسلام ليس الأول من نوعه، كما نعلم. وإذا اخترنا مطلع القرن الحالي كنقطة بداية لتتبع هذه الظاهرة، فسوف نتذكر بطبيعة الحال المطابقة بين الإسلام والإرهاب التي شاعت لدى قطاعات من الرأي العام الغربي بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 على أساس أن منفذي الأحداث كانوا مسلمين، ولم يتوقف أحد عند حقيقة أنهم أشخاص منبوذون من جمهرة المسلمين الذين عانوا وما زالوا يعانون أكثر من غيرهم من تطرف هؤلاء الإرهابيين وغلوائهم.

وعرفنا بعد ذلك أنماطاً من أعمال الكراهية في بعض البلدان الأوروبية تمثلت في ظاهرة الرسوم المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام، بدعوى حرية الرأي. ثم جاءت الذروة بأحداث الهجوم على مسجدين في نيوزيلندا التي أدت إلى مقتل قرابة خمسين من المصلين.. وبالتالي فالأمر يتعلق بـ «ظاهرة» وليس بعمل استثنائي.

وترتبط الملاحظة الثانية بسابقتها، وهي أن الواقعة الأخيرة لإهانة المصحف الشريف تمت بإذن من الشرطة، لكن الأهم أنها كانت قد دأبت على رفض الموافقة على تنظيم احتجاجات لإحراق المصحف، غير أن المحاكم السويدية أبطلت قراراتِها فوافقت على السماح بالواقعة الأخيرة وإن وجهت لاحقاً للمنفذ اتهاماً بالتحريض ضد جماعة عرقية أو قومية، وبانتهاك حظر على هذه العمليات دخل حيز التنفيذ منذ منتصف يونيو، وهو ما يظهر مدى الارتباك في التعامل مع الظاهرة بدليل تصريحات رئيس الوزراء السويدي الذي ذكر أن ما حدث قانوني لكنه غير مناسب، وأن المسألة تعود للشرطة، متجاهلًا أن الشرطة رفضت التصريح، لكن المحاكم أبطلت الرفض. والواقع أن ثمة اختلافاً بيِّناً حول مفهوم حرية الرأي التي لا يمكن أن تصل إلى إهانة شركاء الوطن بما يفضي إلى الفتن والعنف.

أما الملاحظة الثالثة، فتُذَكر بأن هذه الأعمال لا تعكس موقفاً غربياً عاماً، وبغض النظر عن الإدانات الرسمية التي عبّرت عنها مواقف حكومات غربية عديدة، فيجب ألا ننسى أن بابا الفاتيكان، وهو رمز للسماحة والإنسانية، قد وضع توقيعه جنباً إلى جنب مع توقيع شيخ الأزهر على وثيقة الأخوّة الإنسانية في أبوظبي عام 2019.

ولا ينسى مسلمٌ واحدٌ الموقفَ النبيل الشجاع لجاسيندا ارديرن، رئيسة وزراء نيوزيلندا السابقة، تجاه أحداث الهجوم على المسجدين في بلدها عام 2019 وتوجيهها الشكرَ للمسلمين في خطاب التنحي أمام البرلمان في أبريل الماضي.

الظاهرة مزعجة لكنها ليست عامة، وعلينا مواجهتها.  والأجدى هو القيام بعمل جاد للتعريف بجوهر الإسلام وسماحته على النحو الذي تؤكده «وثيقة الأخوة الإنسانية».

*أستاذ العلوم السياسية -جامعة القاهرة