في مدينة عانت أكثر من غيرها من أجل التعافي من الجائحة، يمنح الاندفاع نحو الذكاء الاصطناعي القادةَ هنا شعوراً نادراً بالتفاؤل. فقد ضخ أصحاب رؤوس الأموال المغامرة نحو ملياري دولار في شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة في سان فرانسيسكو هذا العام وحده، وهو حمى نشاطاً يقول باحثو السوق إنه قد يساعد في دخول طفرة تكنولوجية أخرى للمدينة المحاصرة، وإنقاذ سمعتها كمركز للابتكار، إذ أعاد في الأخير مزيداً من الأشخاص إلى المكاتب.

وأعلنت لندن بريد، رئيس بلدية المدينة، في الآونة الأخيرة، سان فرانسيسكو «عاصمةَ الذكاء الاصطناعي في العالم»، كما اقترحت عدداً من الحوافز لجذب مثل هذه الشركات، بما في ذلك الإعفاء الضريبي للشركات التي تنتقل إليها. وقالت ريبيكا بروزان، رئيسة مجلس إدارة «إس.إف. سيتي»، وهي منظمة تجارية تكنولوجية في سان فرانسيسكو: «هناك تيار خفي يتدفق.

وحين يصل ذلك إلى سوق المكاتب، لا أعتقد أنه يمكننا التكهن بالأمر، لكن هناك إمكانات. ولطالما كانت سان فرانسيسكو عاصمة الابتكار التكنولوجي، ونحن بحاجة إلى الاستمرار في جذب اقتصاد الشركات الناشئة الجديد». والتشويق حول ما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي في سان فرانسيسكو يتناقض بشدة مع رواية الكآبة التي أصبحت تحدد معالم المدينة، ولا يمكن إنكار الكثير منها. وتعد واجهات المحلات المغلقة مشهداً مألوفاً في منطقة يونيون سكوير بوسط المدينة التي كانت ذات يوم منطقةً رائعةً ومزدحمة بالسياح. وتحوم معدلات خلو المكاتب حول 30 بالمئة، ومع ذلك ما تزال الإيجارات التجارية والسكنية من أعلى المعدلات في البلاد.

وفي الوقت نفسه، ما زالت مشكلة المشردين قضية مستعصية ومأساوية، ويكافح قادةُ المدينة لمعالجتها. وصناعة التكنولوجيا التي ما زالت تعتمد عليها المدينةُ بشكل كبير، تعاني من الضعف، حيث تم تسريح عشرات الآلاف من العمال وتتطلع الشركات، بما فيها «آيربي.إن.بي» و«ميتا» و«سيلزفورس».. إلى التخلص من المساحات المكتبية. وغادر مؤسسو التكنولوجيا الآخرون إلى مدن أرخص مع عبء ضريبي أقل وإيجارات أخفض، مثل ميامي وأوستن.

وحتى خارج مجال التكنولوجيا، شهد وسط المدينةُ نزوحاً جماعياً من طرف تجار التجزئة. وأغلقت الأسماء الكبيرة، مثل والجرينز وأولد نيفي ونوردستروم.. أو تخطط لإغلاق مواقعها في وسط المدينة، مشيرةً إلى تضاؤل الوافدين وتدهور أوضاع الشوارع جراء أزمة التشرد في المدينة. وأعلنت ويستفيلد هذا الأسبوع أنها ستتوقف عن دفع الرهن العقاري على مركزها التجاري في وسط سان فرانسيسكو وأنها تخطط لإعادة العقار إلى المقرضين.

صحيح أنه من غير الواضح إلى متى ستستمر دورة الضجيج الخاصة بالذكاء الاصطناعي، لكن هذه الصناعة تمثل «مصدراً للنمو» تحتاجه سان فرانسيسكو بشدة، كما يعتقد كولين ياسوكوتشي، المدير التنفيذي لمركز «سي.بي. آر تيك انسايتس» للسمسرة العقارية. وقال ياسوكوتشي: «يكمن الأمل الموعود في الذكاء الاصطناعي في أنه يخلق النظامَ البيئي الكبير التالي الذي قد تستفيد منه بعض الشركات». وأضاف: «تقدم سان فرانسيسكو بالفعل نقطةً مضيئةً محتملةً من حيث النمو الجديد في المستقبل».

وساعدت شركة «أوبن أيه. اي» على إطلاق شرارة الازدهار، وهي الشركة التي أطلقت «تشات جي. بي. تي» في نوفمبر الماضي، وساعدت في ريادة روبوت الدردشة الخاص بها باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي يستخدم خوارزميات معقدة مدربة على تريليونات الكلمات والصور من الإنترنت المفتوح لإنتاج النصوص والصور والصوت. ومنذ عام 2019، كان هناك أكثر من 500 صفقة لرأس المال الاستثماري بين شركات الذكاء الاصطناعي في سان فرانسيسكو، بلغت قيمتها الإجمالية 17.7 مليار دولار، وفقاً لشركة «سي. بي. آر. إي»، ومع نمو هذه المئات من الشركات، بدأ عديد من المؤسسين في البحث عن مساحات مكتبية حتى يتمكنوا من التعاون والحصول على مساحة لجلب عملاء جدد محتملين. وقال مايك سامبل، العضو المنتدب في شركة العقارات التجارية «جيه. إل. إل»، إن شركتَه شهدت أكبر نشاط يتعلق بعمليات البحث عن المكاتب منذ أن أصبحت اللقاحات متاحة في عام 2021.

ويقدر أن 30 بالمئة من الاهتمام بعقود الإيجار الجديدة يأتي من شركات الذكاء الاصطناعي وحدها التي تتراوح بين شركات ناشئة شابة وشركات أكثر نضجاً. وقال: «أشعر بالثقة في القول إن الذكاء الاصطناعي سيقود طفرةً تكنولوجيةً أخرى في سان فرانسيسكو. أفضل المواهب لتطوير الذكاء الاصطناعي موجودة في سان فرانسيسكو، والسؤال هو: كيف يمكنك الحصول على المزيد من المواهب المناسبة؟

وكيف يمكنك توسيع نطاقها؟». ولجذب مزيد من المواهب إلى المدينة، اقترحت رئيسة البلدية «لندن بريد» تخفيضاً ضريبياً لجذب الشركات التي ترغب في توقيع عقد إيجار لمدة ثلاث سنوات. وهذا الاقتراح الذي ينطبق على الأعمال التجارية في مجال المعلومات والخدمات الفنية، من بين أمور أخرى من المقرر أن يُعرَض على مجلس المشرفين في سان فرانسيسكو في وقت لاحق من هذا الشهر، حيث سيحتاج إلى ستة أصوات لإقراره.

وتأمل «بريد» التي واجهت انتقاداتٍ بشأن مشكلات المدينة، أن يساعد الذكاُء الاصطناعي على فتح فصل جديد في سان فرانسيسكو التي شهدت واحدةً من أبطأ حالات التعافي الوبائي في أي مدينة رئيسية. وقالت في بيان لها إن مستقبل الذكاء الاصطناعي يتبلور الآن في سان فرانسيسكو وإن «هذه هي فرصتنا لأخذ زمام المبادرة مرة أخرى في الخطوة التالية».

 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»

*صحفية أميركية