يعتقد البشر المعاصرون عموماً أن الذعر غير مفيد، فهو قد يؤدي إلى التدافع في الحفلات الموسيقية، وغيرها من المشكلات التي قد تتطلب ساعات طويلة لإصلاح ما أفسده الهلع. لكن جنسنا البشري طور الذعر كنوع من القوة العظمى لتجنب القضاء عليه. وفي ظروف معينة، وبجرعات محسوبة، قد يكون القليل من الجزع مفيداً. ولنأخذ مثالاً مناخنا سريع التغير. فقد يسجل الكوكب بسهولة متوسط درجة حرارة عالية قياسية في عام 2023، خاصة مع بدء نمط طقس «النينيو» في وقت لاحق من هذا العام.

«النينيو» ‏ ظاهرة مناخية عالمية، حيث يؤثر تغير الحرارة في أحد المحيطات على الجو بمنطقة أخرى بعيدة». لقد عانينا بالفعل من أعلى درجات حرارة يشهدها أوائل شهر يونيو، حيث وصلت درجات حرارة الأرض العالمية لفترة وجيزة إلى 1.5 درجة مئوية فوق متوسط ما قبل عصر الصناعة. وسجلت درجات حرارة المحيطات هذا الربيع أعلى درجة على الإطلاق في هذا الوقت من العام، في السجلات التي تعود إلى 174 عاماً.

وحذر أشخاص كثيرون، بمن فيهم أنا، من الجزع من مثل هذه الارتفاعات الجديدة المذهلة، نظراً للطبيعة المؤقتة لزيادة ظاهرة «النينيو». وحتى لو وصلنا مؤقتاً إلى زيادة بمقدار 1.5 درجة مئوية في درجات الحرارة هذا العام، فسيظل من الممكن نظرياً تجنب ارتفاع حرارة الكوكب طويل الأمد الذي يتجاوز هذا المستوى وجميع العواقب الكارثية التي قد تصاحبه.

لكن علينا أولاً التخلص من إدماننا على الوقود الأحفوري والتوقف عن بث غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي. وبالحكم على مدى ضآلة اهتمام صانعي السياسة في العالم باتخاذ مثل هذه الخطوات، ربما يكون القليل من الجزع مفيداً. ويتفق العلماء على أنه يجب على العالم التخلص من انبعاثاته بحلول عام 2050 للحفاظ على إبقاء ارتفاع درجة الحرارة عند 1.5 درجة مئوية، وهو الهدف الذي حددته اتفاقيات باريس للمناخ في عام 2015. وحتى الآن، تعهدت 95 دولة بالوصول إلى صفر صافي من الانبعاثات. وهذه هي الأخبار السارة.

والنبأ السيئ هو أن الغالبية العظمى من تلك التعهدات لا مصداقية لها. والسياسات والممارسات الحالية تجعل العالم في طريقه للوصول إلى زيادة بنحو ثلاث درجات مئوية في الحرارة بحلول نهاية القرن. ووجدت دراسة حديثة أنه حتى التعهدات بصفر صافٍ من الانبعاثات الأكثر جدارة بالثقة ستظل تؤدي إلى زيادة في الحرارة بنحو 2.5 درجة مئوية. والتوقعات أسوأ على المدى القصير.

ويجب على العالم خفض الانبعاثات بنسبة 43 بالمئة بحلول عام 2030 لإبقاء الاحترار عند 1.5 درجة مئوية، وفقاً لأحد التقديرات. وتعهد ثلاثة أعضاء فقط من مجموعة العشرين وهي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا بالوفاء بمثل هذا التعهد، وفقاً للوحة الدرجات في «سياسة صفر كربون» لوحدة تمويل الطاقة الجديدة في بلومبيرج، ولم ينفذ أي منهم بالفعل سياسات لتحقيق ذلك.

وإحدى المشكلات الكبيرة هي أن عدداً كبيراً من البلدان ليس لديها خطط لصافي صفر انبعاثات لوقف حرق النفط والغاز والفحم، وفقاً لدراسة جديدة من معهد ستوكهولم للبيئة. وفي الواقع، تتحدث 45 دولة من أصل 95 دولة بذلت تعهدات عن استمرار أو توسع إنتاج الوقود الأحفوري هناك ضمن تعهداتها الصفرية الصافية، وفقاً للدراسة. وهناك دولتان وهما لبنان والسنغال لا تنتجان النفط والغاز حالياً، لكنهما تطمحان إلى إنتاجهما.

وفي المقابل، تناقش خمسة بلدان فقط من أصل 95 دولة الانتقال من إنتاج الوقود الأحفوري كجزء من تعهداتها الصفرية الصافية. ويبدو أن هذا الافتقار المحبط للطموح سيستمر ليطرح نفسه أمام مؤتمر الأمم المتحدة المقبل للمناخ في وقت لاحق من هذا العام، كوب28 الذي تستضيفه دولة الإمارات العربية المتحدة في دبي. وفي مؤتمر تمهيدي لمدة أسبوعين في بون حيث اجتمع مفاوضون لصياغة مسودات الإعلانات التي سيتم النظر فيها في «كوب28».

وحتى وجود تداعيات لتغير المناخ تواجهنا مباشرة لا يحفزنا كثيراً فيما يبدو على العمل. فبعد أسبوع من انتشار الدخان السام الناجم عن حرائق الغابات الكندية في واشنطن العاصمة، قدم مشرعون بضعة مشروعات قوانين لمعالجة إدارة الغابات، و«مواجهة حرائق الغابات والتخطيط لبناء قدرتها على الصمود» و«للمساعدة في إنشاء مراكز عامة للهواء النظيف وتوزيع وحدات تنقية الهواء على بعض الأسر»، بحسب تقرير لـ«أكسيوس» هذا الأسبوع. وكلها جهود جديرة بالاهتمام، لكن لا أحد يقترب من جذر المشكلة، وهو أن الاستمرار في ارتفاع حرارة الكوكب سيجعل حرائق الغابات أكثر تواتراً وتدميراً.

وتخيل تأثيرات ارتفاع الحرارة درجتين أو ثلاث درجات إذا لم نستجب بنشاط أكثر، وفكر في مدى الفوضى التي أصبح عليها المناخ بالفعل بعد 1.2 درجة مئوية فقط في زيادة درجة الحرارة فوق مستويات ما قبل الصناعة. فقد أصبحت موجات الحر القاتلة والجفاف وحرائق الغابات أكثر شيوعاً. والعواصف والفيضانات أكثر حدة. لقد مات ملايين الأشخاص أو خرجوا من ديارهم أو عانوا من آثار صحية طويلة الأمد نتيجة هذه الكوارث. والأنواع تنقرض بشكل جماعي.

وهذا مجرد غيض مما سيأتي من فيض. وهذه الدورة القاتمة لا يتعين أن تكون قدرنا. وتستطيع الحكومات في الوقت الحالي أن تحسم أمرها ليس فقط في تقديم تعهدات أكثر جرأة تجاه المناخ في مؤتمر الأطراف لهذا العام، لكن أيضاً تبني السياسات التي ستمنح تلك التعهدات قوة حقيقية.

ويمكن للأفراد ممارسة مزيد من الضغط على صانعي السياسات للعمل، وتذكيرهم بأن هذا ما يريده معظم الناخبين. والذعر الكامل ليس استجابة مناسبة، خاصة إذا أدى إلى الشلل. لكن عدم المبالاة لست أيضاً استجابة مناسبة الآن.

*صحفي أميركي يغطي تغير المناخ.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سنديكيشن»