تبدو العلاقات العربية الأميركية في حالة اضطراب منذ بداية هذا القرن، فقد بدأ لسوء الحظ بجريمة 11 سبتمبر التي كانت مبرر احتلال أميركا لأفغانستان، كما كانت تهمة امتلاك العراق أسلحةَ دمار شامل مبرراً لاحتلاله، وكان سقوط بغداد عام 2003 مشابهاً في تداعياته لسقوط بغداد عام 1258 حيث انهارت الدولة العباسية وضعُف شأن العرب محلياً ودولياً، ولم يكن سقوط بغداد الثاني أقل خطراً على الأمة، إذ جاءت في مطلع العقد الثاني من هذا القرن أحداث «الربيع العربي» الذي سرعان ما تحول إلى شتاء عاصف، ولم تكن الولايات المتحدة بعيدة عن مجريات الأحداث، بل لعبت أدواراً بعضها علني وبعضها خفي في توجيه السياسات نحو الاحتواء المشترك لكل أطراف الصراع، وبدت سياسة التخلي الغائم عن الملف السوري منذ عهد أوباما أخطر من سياسة التدخل العسكري التي أعلنها أوباما نفسه عام 2013 مع كل من فرانسوا أولاند وديفيد كاميرون ثم تراجعوا عنها، وتم إسناد الدور الرئيسي لروسيا في الموضوع السوري.
كان التخلي الأميركي والاكتفاء بالتصريحات والمساعدات الإنسانية، قد منح الروس فرصة التقدم في دعم الحكومة السورية، لكن سياسة ترامب التي بدأت مضطربة ظلت كذلك تقريباً. فقد أشاد بالدور الروسي في سوريا، لكنه وجه 59 صاروخاً لمطار الشعيرات السوري!
ومع مجيء الرئيس جو بايدن، ظهر سؤال دولي مثير: من يملأ الفراغ الذي سيحدثه غياب الولايات المتحدة عن الشرق الأوسط؟ وقد بدا بايدن حريصاً على ألا تتحول منطقة الشرق الأوسط إلى ساحة صراعات ومواجهات، كما قال، لكنه لم يفعل ما ينبغي لإعادة الاعتدال في العلاقة مع دول المنطقة، فهناك من يتمدد ويسيطر على دول حل فيها ضعف مرحلي، لاسيما في سوريا واليمن ولبنان والعراق، حيث المخاطر المحدقة بالمستقبل، فضلاً عن الفوضى المريعة في ليبيا، والاضطراب في تونس.
وبدل أن تتقدم الولايات المتحدة بحلول تؤكد حرصها على أن تبقى القطبَ الأكبر والزعيم الأول للعالم، باتت تهاجم بعض الدول العربية. لكن بايدن سرعان ما أدرك خطر إهمال اضطراب العلاقات الأميركية العربية وجاء إلى السعودية، وأدرك أهمية التأكيد على متانة العلاقات مع دولة الإمارات.. لكنه على ما يبدو فوجئ بأن العرب أصلحوا ما كان بينهم من اختلافات، بل أكدوا حرصهم على علاقات حسن جوار مع إيران، وعمقوا علاقاتهم مع تركيا، وتوجهوا لبناء شرقهم الأوسط بأيديهم، وعززوا صداقاتهم مع روسيا والصين والهند والعديد من الدول الكبرى.. وبات على الولايات المتحدة أن تقوم بمراجعة شاملة لدورها الذي توشك أن تفقده في زعامة العالم، لاسيما في ظل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية. 

*وزير الثقافة السوري السابق