في أحدث تقرير أصدره، توقَّع البنك الدولي ارتفاعَ نسبة نمو الاقتصاد العالمي إلى 2.1% للعام الحالي، مقارنةً بنسبة 1.7% التي تَوقّعها في بداية العام، مدفوعاً إلى ذلك بتحسّن تقديره لمعدلات النمو المتوقعة في كل من الصين والولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه خفَّض البنكُ توقعاتِه لنمو بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى 2.2%، مقارنةً بنسبة 3.5% حسب تقديرات سابقة، متأثرةً بتباطؤ نمو اقتصادات دول الخليج المنتجة للنفط بسبب خفض معدلات الإنتاج في دول «أوبك»، وتزايد الضغوط الخارجية على سائر الدول المستوردة لمصادر الطاقة. وفي هذا المجال، يبرز وضع العراق بشكل لافت، نتيجة تحوّله من التفاؤل بمعدل نمو 4% إلى التشاؤم بانكماش اقتصادي نسبته 1.1%، مدفوعاً بمساهمته في خفض طوعي لإنتاجه النفطي بنحو 500 ألف برميل يومياً. 
ورغم استفادة العراق من ارتفاع أسعار النفط، بما مكّن الحكومةَ من إقرار موازنة الدولة للعام الحالي بأرقام قياسية بلغت 198.9 تريليون دينار (نحو 153 مليار دولار)، وصدق عليها مجلس النواب الأحد الماضي.. فإنها حملت عجزاً كبيراً بلغ 36.64 تريليون دينار (نحو 49.5 مليار دولار)، وتعود أسبابه إلى ارتفاع النفقات الحكومية نتيجة تثبيت عقود 600 ألف موظف جديد، ما أدى إلى زيادة التكلفة الإجمالية للأجور العامة ومعاشات التقاعد إلى أكثر من 58 مليار دولار، إضافة إلى دفع نحو 9.2 مليار دولار لتسديد ديون مستحقة، وقد ساهم ذلك برفع أرقام النفقات التشغيلية إلى أكثر من 115 مليار دولار، وبما يعادل 76.2% من الموازنة، مقابل 36 مليار دولار فقط، أي نحو 23.8% لتمويل الخطة الاستثمارية، مع الأخذ بالاعتبار أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أشار خلال زيارته لمقر الهيئة الوطنية للاستثمار إلى وجود «عوائق كثيرة» تقف في طريق تطوير الاستثمار، مؤكداً «ضرورة وضع رؤية واضحة لخطة استثمارية، بما ينعكس على تلبية متطلبات البلد والمواطن والبرنامج الحكومي».
ولتغطية هذا العجز، تراهن الحكومةُ على ارتفاع أسعار النفط فوق السبعين دولار للبرميل، وهو السعر المعتمد في أرقام الموازنة، مع تصدير نحو 3.5 مليون برميل يومياً، وإلا فستضطر إلى الاستدانة من الأسواق المالية ومؤسسات التمويل الدولية. ويبرز في هذا المجال رأي صندوق النقد الدولي الذي أنجز خبراؤه مشاورات المادة الرابعة في بغداد، وقد انتقد استمرار اختلالات التوازن الأساسية وازدياد الاعتماد على النفط، وتوقع أن يرتفع الإنتاج بصورة تدريجية ليصل إلى 8 ملايين برميل بنهاية عام 2027، وقد تم توقيع عقود مع شركات أميركية وأوروبية وصينية عدة لحفر 131 بئراً جديداً. 
وتكملةً لجولة التراخيص الخامسة، أعلنت وزارة النفط طرح ملحق لهذه الجولة، ودعت الشركات العالمية المتخصصة والراغبة بالمشاركة في التنافس على الفرص الاستثمارية، لاستثمار وتطوير 13 حقلاً وموقعاً استكشافياً في مجالي النفط والغاز، موزعةً على المحافظات الشمالية والوسطى والجنوبية. وفي خضم النشاط الاستثماري الصيني الكبير، حيث تخطط شركة «بتروتشاينا» لتصبح المشغل الرئيسي الوحيد لحقل «غرب القرنة 1» النفطي العملاق في العراق، جددت وزارةُ النفط دعوتَها للشركات الأميركية للمشاركة في الفرص الاستثمارية المتاحة، وأكد مستشار رئيس الوزراء لشؤون الطاقة عماد العلاق أن حكومة بلاده «جادة في فتح الباب أمام الشركات الأميركية للاستثمار، وهي ستعود إلى العراق للاستثمار في النفط والغاز والطاقة».

*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية