تسبب دخان حرائق الغابات في اختناق ملايين الناس في نيويورك وغيرها من المدن الكبرى في أميركا الشمالية، ويمكنهم أن يوجهوا أصابع الاتهام إلى الشمال ليتخطوا حرائق الغابات التي تجتاح كيبيك، ونحو القطب الشمالي. ويقول خبراء إن ارتفاع درجات الحرارة في المنطقة يسهم في الطقس الذي يفاقم احتمالات حدوث حرائق الغابات. وترتفع درجة حرارة القطب الشمالي بسرعة أكبر بكثير من المتوسط ​​العالمي - بأربعة أضعاف، حسب بعض التقديرات.

ويتسبب هذا في تقلص الجليد الذي يعكس الإشعاع ويحمي الأرض من بعض حرارة الشمس. ومع ارتفاع درجة حرارة القطب الشمالي، تذوب التربة الصقيعية، وتطلق كميات كبيرة من غازات الاحتباس الحراري التي تفاقم بدورها الاحتباس الحراري. وتعاني سيبيريا التي تضم أكبر مساحة من التربة الصقيعية في العالم، من موجة حرارة شديدة، لكن هناك مناطق ساخنة أخرى في القطب الشمالي أيضا. وترى جوليان ستروف، أستاذة المراقبة والنمذجة القطبية في جامعة لندن كوليدج «في الوقت الحالي، تكون درجة حرارة القطب الشمالي الكندي أكثر دفئاً من المتوسط ​​بنحو عشر درجات مئوية ويمتد ذلك إلى أسفل حتى شمال خليج هدسون.

ومن المؤكد أن أجزاء كبيرة من كندا أكثر دفئاً من المعتاد لشهر يونيو في هذه المرحلة بالفعل». ويؤدي ذلك إلى تزايد التأثير غير المتناسب للقطب الشمالي على أنماط الطقس في منتصف خطوط العرض.

وأضافت ستروف «الربيع يأتي في وقت أكثر تبكيراً مما كان عليه في السابق والخريف يتأخر، وهذا أيضاً يجعل الظروف أكثر جفافاً وسخونة لحدوث هذا النوع من حرائق الغابات الشديدة. وهذه الظروف الجافة إلى جانب البرق هي بالتأكيد أحد الأسباب التي تجعل الأمور شديدة السوء في الوقت الحالي في كندا». ويوافق جيسون بوكس​​، أستاذ علم الجليد والمناخ في هيئة المسح الجيولوجي في الدنمارك وجرينلاند، على أن التأثير الضخم للقطب الشمالي على ارتفاع درجة حرارة الكوكب «يزيد وتيرة الحرائق». وسرعة ارتفاع حرارة القطب الشمالي يجعل التيارات النفاثة أكثر تموجاً وأبطأ فيما يبدو، مما قد يؤدي إلى تفاقم المشكلة.

والتيارات النفاثة عبارة عن حزم من الرياح الغربية القوية مدفوعة بتصادم الهواء القطبي البارد والهواء الاستوائي الساخن. ومع تسارع الاحترار في القطب الشمالي، يتقلص الفرق بين نوعي الهواء، وعادة ما تصبح التيارات سريعة الحركة بطيئة وتتطلب مزيداً من المسارات المتعرجة مما يخلق قباباً حرارية تعزز بدورها من احتمالات حرائق الغابات شديدة الخطورة، خاصة في خطوط العرض الشمالية.

وأشارت جينيفر فرانسيس، وهي عالمة بارزة في مركز وودويل لأبحاث المناخ، إن عدة عوامل تخلق نمط تيار نفاث أكثر تموجاً في الوقت الحالي، بما في ذلك موجة حر قوية ومستمرة في شمال المحيط الهادئ. وحواف وأحواض ضغط الهواء الناتجة هيه المسؤولة عن الظروف الجافة التي تستعر فيها حرائق كندا، وكذلك عن الرياح التي تحمل الدخان إلى الساحل الشرقي.

وأوضحت فرانسيس إن ارتفاع درجة حرارة القطب الشمالي بسرعة قد يفاقم تكرار هذا النمط. ورصدت دراسة أجريت عام 2021 ونُشرت في مجلة نيتشر كوميونيكيشن تأثير ذوبان الجليد في القطب الشمالي خارج حدود البلدان الشمالية. وأظهرت الدراسة أن فقدان الجليد البحري في القطب الشمالي خلال أشهر الصيف خلق طقساً أكثر ملاءمة للنيران في غرب الولايات المتحدة. وقالت الصحيفة إنه على مدار 40 عاماً، كانت التغيرات في طقس الحرائق، مدفوعة بتراجع الجليد، بنفس الحجم للتغيرات المناخية الناجمة عن ظاهرة النينيو-التذبذب الجنوبي، والتي تؤثر أيضاً على ظروف الحرائق في غرب الولايات المتحدة. في هذا السياق، تلح الحاجة إلى استعداد أفضل للحرائق.

وفي كيبيك التي تسببت حرائق غاباتها في الدخان الخانق الذي يغطي نيويورك حالياً، فالمساحة المحترقة أكبر 500 مرة من متوسط ​​المساحة المحترقة على مدى السنوات العشر الماضية، وفقاً لوكالة الحماية من حرائق الغابات في كيبيك التي تتابع نشاط الحرائق. وهذا ترك رجال الإطفاء في المقاطعة أضعف من أن يتمكنوا من إخمادها. وقالت جيل وايتمان، أستاذ الاستدامة في كلية إدارة الأعمال بجامعة إكستر في المملكة المتحدة، «الاتجاهات طويلة الأمد في الاحترار والتغير في القطب الشمالي تدفع بالمخاطر العالمية إلى أماكن لم تشهدها من قبل».

*رئيسة مكتبة بلومبيرج في تورنتو وكبيرة المراسلين لمنطقة القطب الشمالي.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»