أصدرت «الجمعية الأميركية لعلم النفس» أول تقرير لها حول استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في فترة المراهقة. ولعل أكثر ما يلفت الانتباه في توصياتها المستندة إلى البيانات هو مدى قلة ما نعرفه حقاً عن كيفية تأثير هذه التطبيقات على أطفالنا. 
الحداثة النسبية لمنصات مثل «سنابشات» و«تيك توك» تعني توفر عدد قليل من الدراسات حول تأثيراتها طويلة المدى على أدمغة المراهقين واليافعين. والحصول على بيانات أحسن سيتطلب تمويلاً مهماً، إضافة إلى قدر أكبر بكثير من الشفافية من جانب شركات التكنولوجيا. 
ولعل الافتقار لبيانات واضحة هو أحد الأسباب التي تفسّر أن جل الأحاديث والنقاشات حول وسائل التواصل الاجتماعي والأطفال يتوقف على تجاربنا ومواقفنا الشخصية. وفضلاً عن ذلك، فإن معظم البيانات المتوفرة يكتنفها الغموض والضبابية: ذلك أن هناك الكثير من الأدلة المترابطة على أن منصات مثل تيك توك وسنابتشات وإنستغرام قد يكون لها تأثير سلبي على تطور الأطفال، ولكن هناك القليل جدا من البيانات السببية. 
هذا لا يعني أن أفكارنا وافتراضاتنا حول تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعية المؤذية على الأطفال ليست صحيحة، أو أنه ليس لدى الآباء سبب للقلق. ولكنه أدى إلى خطاب يتجاهل في كثير من الأحيان حقيقة أن وسائل التواصل الاجتماعي لن ترحل. 
تقرير «الجمعية الأميركية لعلم النفس» يلفت انتباهنا على نحو حكيم إلى ما نعرفه وما لا نعرفه بخصوص علاقات المراهقين واليافعين مع وسائل التواصل الاجتماعي – ويُعد دعوة للعمل من أجل مزيد من الأبحاث في كيف قد تكون التكنولوجيا القوية بصدد إعادة تشكيل التطور الاجتماعي. وفي هذا الإطار، يقول ميتش برينشتاين، المدير العلمي للجمعية: «لقد حان الوقت للاعتماد على العلم».
الأدلة القليلة التي لدينا تشير على نحو غير مفاجئ إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي تراهن وتعتمد على محفزات ليست جيدة لأدمغة صغار السن. والحال أن التعرض الأول لوسائل التواصل الاجتماعي بالنسبة لكثير من الأطفال يحدث «في أسوء وقت ممكن في ما يتعلق بتطور الدماغ»، يقول برينشتاين، وهو عالم نفس وعالم أعصاب يدرس التفاعلات الاجتماعية للمراهقين في جامعة كارولينا الشمالية.
ويضيف قائلا: «إن زر الإعجاب والذكاء الاجتماعي سيؤثران على أدمغة المراهقين بطريقة مختلفة جدا عن أدمغة الكبار في ما يتعلق بالرغبة في البقاء على اتصال بالإنترنت وقول أو فعل أي شيء تقريبا للحصول على متابعين». وفي ما يتعلق بالتفاعلات الاجتماعية، يشبّه برينشتاين أدمغة الأطفال بسيارة ذات دواسة بنزين ضخمة ومكابح ضعيفة. 
في وقت سابق من هذا العام، نشر برينستاين وزملاؤه في جامعة كارولاينا الشمالية نتائج واحدة من أولى الدراسات حول كيفية رد فعل دماغ المراهق على وسائل التواصل الاجتماعي. الفريق استطلع آراء مجموعة من تلاميذ المدارس الإعدادية من أجل فهم عاداتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، ثم وضعهم في جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي لرؤية كيف تتفاعل أدمغتهم مع المكافآت أو العقوبات الاجتماعية. فوجدوا أن لدى الأطفال الذين يبلغون 12 عاما واعتادوا تصفح تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي أنماطا عصبية مميزة، إذ يزداد مع مرور الوقت نشاط أجزاء من الدماغ مرتبطة بالتحفيز والأهمية والتحكم الإدراكي. 
الفريق لم يقدم رأيا بشأن ما إن كانت تلك الاختلافات جيدة أو سيئة، أو ما إن كانت العلاقة سببية أو ترابطية. ولكن عمله يشير إلى الحاجة إلى المزيد من الأبحاث. كما يفترض أن يعزز لدى الآباء الحاجة إلى الانتباه جيداً إلى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي الخفي على الأدمغة التي ما زالت قيد التطور. 
والواقع أن هذا البحث ربما كان سيكون مفيداً أكثر لو أن شركات التكنولوجيا كانت صريحة وشفافة بشأن ما تعرفه حول استخدام الأطفال لمنصاتها. فالشركات توظف علماء نفس خاصين بها لاختبار طرق مختلفة لجذب المستخدمين إليها، وتقوم بكل تأكيد بتعقب البيانات المتعلقة بكيفية رد فعل فئات ديمغرافية مختلفة على وسائل التواصل الاجتماعي. وتلك البيانات يمكن أن تفيد الباحثين مثل برينشتاين وتساعدهم على فهم تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة العقلية للأطفال، وتحديد المجموعات المعرَّضة أكثر من غيرها لتجارب سلبية، أو على العكس من ذلك، المجموعات التي قد تستفيد من وسائل التواصل الاجتماعي. 
ولهذا يجب على شركات التكنولوجيا بذل مزيد من الجهود لتعديل تجربة المستخدم وجعلها أكثر أمناً بالنسبة للمراهقين. وهذا يمكن أن يبدأ طبعا بالحرص على ألا يقود تصفح مواقع التواصل الاجتماعي الأطفال إلى محتوى مؤذ. غير أن تغييرات أصغر – مثل تحديد حد أدنى للسن للوصول إلى زر «الإعجاب» وحد أقصى للمدة التي يجوز للمراهقين التصفح فيها – يمكن أيضا تكون مفيدة، بناء على الأشياء القليلة التي نعرفها. 
وبالطبع، يستطيع الأطفال الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي لأن الآباء يسمحون لهم بذلك. فأحد أهم الأسباب التي تجعل الآباء يرضخون لطلبات وإلحاح أبنائهم المزعج والمتكرر على استخدام الهاتف أو الوصول إلى تيك توك أو إنستغرام هو أنهم يخشون تأخر طفلهم عن الركب في ما يتعلق بمواكبة التكنولوجيا. 
غير أنه بخصوص هذه النقطة، قال برينشتاين شيئا أعتقد أنه ينبغي للكثير من الآباء سماعه: «ليست لدينا أي بيانات تفيد بأن الأطفال سيعانون عواقب اجتماعية إن بقوا منفصلين عن الإنترنت». 
تذكر هذا خلال معركتك المقبلة مع طفلك حول متى يمكنه أخيراً الحصول على هاتف أو إنشاء حسابه الخاص على سنابتشات. وعليه، فقد يكون عفريت وسائل التواصل الاجتماعي خرج من قمقمه، لكن ذلك لا يعني أن الآباء فقدوا كل السيطرة. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة«واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيشن»