لا يزال الأميركيون متشائمين بشأن الاقتصاد، فنسبة كبيرة منهم لديهم اعتقاد خاطئ بأننا نعاني من ركود أو أننا سنعاني منه هذا العام. لكن مع تقدم تعافي الاقتصاد، فلا مبرر لأن تنشر وسائلُ الإعلام تقارير سلبية ساخنة وتكهنات اقتصادية متشائمة. فعناوين مثل «البطالة منخفضة والتضخم يتراجع.. لكن ما الذي سيلي ذلك؟»، والتي تنشرها صحيفة «نيويورك تايمز»، هي من الناحية العملية محاكاة ذاتية ساخرة. وترسم الدلائلُ الاقتصاديةُ صورةً مختلفةً تماماً. 
التوظيف قوي، بشكل تاريخي، فمستوى البطالة لا يسجل أكثر من 3.5 بالمئة (وهذا أدنى مستوى له خلال 50 عاماً) وحسب، وإنما تراجع أيضاً بين السود إلى 5 بالمئة، ولعلها أول مرة يتراجع فيها إلى هذا الحد. 
يلاحظ المحلل المالي والمستثمر ستيفن راتنر أن «مستوى البطالة بين السود، تاريخياً، أعلى مرتين من مستواها لدى البيض. واليوم، فإن الفجوة في مستويات البطالة بين السود والبيض من أقل الفجوات على الإطلاق». ويضيف: «في عام 2010، أثناء الأزمة المالية، كان مستوى البطالة بين السود 17 بالمئة. وفي عام 1983، وهي فترة ركود أخرى، بلغ مستوى البطالة بين السود 21 بالمئة». وبعبارة أخرى، فإن الانتعاش القوي له مد متصاعد يشمل كل الأميركيين. 
وكما يلاحظ راتنر، فقد «زادت الدخول الحقيقية (بعد حساب التضخم)، منذ يناير 2020، للربع الأدنى دخلاً (الأسر التي تكسب 35 ألف دولار في العام أو أقل) بنسبة 7 بالمئة، مقارنةً بنسبة 2 بالمئة لتلك الأسر في القمة، والمتوسط بالنسبة للاقتصاد ككل 1.3 بالمئة». 
إن قول الرئيس جو بايدن بأنه يبني الاقتصادَ من أسفل إلى أعلى يستند إلى أسس قوية على ما يبدو. ويعتقد مسؤولو الإدارة أن في مقدورهم مواصلة هذا التقدم، ويقولون إن سياسات مثل قانون البنية التحتية الذي وافق عليه الحزبان، وقانون الرقائق وقانون خفض التضخم تحقق استثماراتٍ طويلةَ الأمد. وإذا كانوا محقين، وإذا زادت هذه السياسات من الطاقة الإنتاجية، فإن الاقتصاد سيمضي في مسار إيجابي في السنوات القادمة.
هناك المزيد من الأنباء السارة، فالتضخم يتراجع. وأشار البيت الأبيض في بيان مقتضب الأسبوع الماضي إلى أن «المستوى السنوي للتضخم للمنتجين بلغ 2.7 بالمئة، وهو أدنى مستوى منذ أكثر من عامين». 
وتأتي هذه الأنباء بعد أنباء أخرى عن أن أسعار المستهلكين تمضي في الاتجاه الصحيح. فقد تراجع مستوى أسعار المستهلكين إلى زيادة بنسبة 5 بالمئة في مارس على أساس سنوي مقارن، متراجعةً عن زيادة بنسبة 6 بالمئة في فبراير الماضي. وهذا أدنى مستوى للتضخم منذ مايو 2021. 
وزاد معدل التضخم الرئيسي الذي يشمل أسعارَ الوقود والأغذية المتقلبة بنسبة 0.4 بالمئة، مقارنةً بمعدل فبراير، ومتراجعاً عن زيادة نسبتها 0.5 بالمئة في الشهر السابق. غير أن صحيفة «نيويورك تايمز» تلاحظ «أن المؤشر الكلي للطاقة كان أقل بنسبة 3.5 بالمئة مقارنةً بشهر فبراير على أساس موسمي معدل، وأقل بنسبة 6.4 بالمئة مقارنةً بالفترة نفسها من العام السابق. وأن أسعار البنزين تراجعت بنسبة 17.4 بالمئة مقارنةً بما كانت عليه قبل عام، عندما أدت صدمة الحرب الروسية الأوكرانية إلى ارتفاع سريع وصاروخي في أسعار النفط». 
ولوضع الأمور في سياق، قالت هيثر بوشي، عضو مجلس المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض، يوم الأربعاء الماضي، «هذا هو الشهر التاسع على التوالي الذي يشهد تراجعاً مستمراً في مستوى البطالة». ومضت تقول: «نفسر هذا على أنه تحرك في الاتجاه الصحيح، خصوصاً عندما نقرنه ببيانات سوق العمل المستمرة في إظهار نمو قوي ومستقر، لكن بمعدل أكثر بطئاً في سوق الوظائف».
يمكننا أن نفهم لماذا لا يجد «الجمهوريون» ما يقولونه هذه الأيام بخصوص التضخم. الحديث عن تراجع الاقتصاد الأميركي ليس أمراً خاطئاً وحسب، وإنما ينتج أيضاً سياسات متشائمة مثل الحمائية، وتقليل الهجرة والدعم الحكومي، مما يفسد الوصفةَ السرية التي جعلت أميركا ناجحةً إلى هذا الحد. 
ربما حان الوقت لأن نعترف بأن الولايات المتحدة تقود العالَمَ من خلال انتعاش اقتصاد نابض، ذلك تقييم صادق للوضع الاقتصادي الأميركي. 
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيشن»