إن ارتفاع مستوى عدم اليقين هو أمر سيئ يحدّ من النمو والتقييمات المالية الدولية، وأحد مقاييس عدم اليقين المستخدمة بشكل شائع هو مؤشر التقلّب في بورصة خيارات مجلس شيكاغو (СВОЕ - Chicago Board Options Exchange)، وهي أكبر منصة في العالم لشراء وبيع الخيارات وقرابة أكثر من 50% من جميع المعاملات التجارية مع أدوات الدين المالية في الولايات المتحدة، وتنفذّ أكثر من أربعة ملايين معاملة في يوم التداول الواحد ويتم تداول الخيارات على أكثر المؤشرات والأسهم شهرةً في العالم، والذي غالباً ما يُشار إليه على أنه «مقياس الخوف» لميله إلى الارتفاع في أوقات عدم اليقين الكبيرة مثل الأزمة المالية العالمية في 2007-2009 وتفشي فيروس كورونا، في حين أن مؤشر الأسهم حالياً ليس في أقصى مستوى له، إلّا أنه يظل مرتفعاً، وهي علامة سيئة من دون شك لما هو قادم في هذا العام!
إن تحديات البنية التحتية لسلاسل الإمداد والتوريد الدولية تشكل تحدياً لكل اقتصادات العالم، والتي لا تزال مساحة المستودعات فيها محدودة للغاية لمواكبة الطلب عبر الإنترنت من جهة، ومن جهة أخرى تعد الحلول طويلة الأجل لإدارة تصدير الشحن الكبيرة باهظة الثمن، وستحتاج شركات الشحن إلى الاستثمار في تغييرات هيكلية كبيرة والأمر سيستغرق وقتاً حتى يدخل هذا الاستثمار حيز التنفيذ، وبالتالي سينقل الشاحنون البضائع عبر الطرق والموانئ ومسارات القطارات القديمة لسنوات قادمة.
والعديد من شركات الشحن ليست مستعدة مالياً للقيام باستثمارات طويلة الأجل في البنية التحتية، وخاصةً أن تأثير الوباء قد خلق شهوراً من تراكم الشحن ونقص العمالة، وهي أمور شائكة سيتعافى منها الاقتصاد العالمي في العقود القادمة مع تحديات الاستدامة ومشاكل سلسلة التوريد الناجمة عن تغير المناخ، وستستمر حتماً الأحداث المناخية القاسية في إحداث اضطرابات في سلسلة التوريد وندرة الموارد.
فبسبب جائحة كورونا كانت الاستراتيجية العالمية عبارة عن مرونة جماعية، ومن خلال تلك المرونة قام الموردون بإعادة التوازن بين التصنيع الداخلي والخارجي، وقامت الدول بمحاولات جادة لتوطين سلاسل التوريد وتنويع المصادر، واستجابت مؤسسات الشحن من خلال توسيع شبكات النقل الخاصة بهم والتعاون المتزايد لتحسين المخزون، وإنْ كانت تفتقد للقدرة على التنبؤ بالطلب وإدارة الوصول في الأوقات المثالية للمستورد، والاستجابة للاضطرابات في الوقت الفعلي وعدم حل أزمة تراكم الطلبات، إلى جانب إغلاق المصانع والمخاوف العمالية ونقص المعدات، مما جعل التنبؤ بنتائج هذا العام أمراً صعباً حتى قبل التفكير في إمكانية تفشي فيروس جديد، أو تحول الكوارث الطبيعية إلى فيروس من نوع أخر ولكن هذه المرة لا يوجد لقاح ضده.
ومن جهة أخرى، لا يزال نقص العمالة في العديد من القطاعات اللوجستية في جميع أنحاء العالم حاداً، ولا سيما أن القوى العاملة الموجودة مرهقة وتحت ضغوط متنوعة مما يضعف فعاليتها، بالإضافة إلى ذلك، فقد غادر العديد من العمال صناعة الخدمات اللوجستية على الرغم من تعدي المراحل الحرجة من الجائحة في معظم دول العالم، وبالتالي الحاجة إلى حلول لوجستية سريعة وبشكل كبير مقابل القليل مما يمكن أن يفعله المتخصصون في الصناعة لتلبية الطلب المتزايد، والأكثر من ذلك فإن السياسات المالية والنقدية وحزم التحفيز التي نفذتها العديد من الدول في جميع أنحاء العالم تزيد من تفاقم المشكلة، حيث يعتقد العديد من الخبراء أن الطلب سيستمر في الارتفاع في العام الحالي، مما يعني أنه حتى إذا تمت استعادة سلاسل التوريد كفاءتها بنسبة 100%، فسيظل هناك تراكم كبير في عمليات التسليم أثناء النقل، ولذلك ستظل أزمة سلسلة التوريد العالمية تسبب مشاكل على الأقل لبعض الوقت، وسيؤثر الجمع بين ارتفاع الطلب ومحدودية العرض بشكل كبير على أسعار السلع الأساسية.
*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات.