الزلزال المدمر الذي ضرب كلاً من جنوب تركيا وشمال سوريا، وما خلّفه من قتلى وجرحى ومشردين، وما أحدثه من دمار واسع وتداعيات خطيرة، أثار الكثير من التساؤلات التي تفرض ذاتها، لاسيما على الجانب الاقتصادي.

فالكوارث الطبيعية، مثل الزلازل والبراكين والأعاصير والفيضانات.. رغم ما تتركه من آثار مدمرة، فإنها تبقى عاجزة عن تغير نمط وسلوك وسياسات كثير من الدول، لا سيما منها تلك التي تتعامل مع أوضاعها بشيء من البرود، وربما استغل بعضُها مثلَ هذه الأزمات لتعزيز قوته الداخلية فحسب.

وتقود الملاحظة بهذا الشأن إلى التوقف عند مسألة مهمة، وهي العقوبات الاقتصادية التي طالما سعت من خلالها الدولُ الكبرى المتنفذة إلى التأثير على دول وأنظمة تناصبُها العداءَ أو تختلف معها في الرؤى السياسية.

ولو عدنا إلى التاريخ فسنلاحظ أنه على مدى العقود الماضية تعرّضت الكثير من الدول والأنظمة ذات الطابع «الثوري» إلى عقوبات اقتصادية أُريد منها إضعافها أو إسقاطها أو تغيير سلوكها، لكن ما حصل هو أنه لم تتغير هذه الأنظمة، بل تعززت قوتُها الداخلية وزادت هيمنتُها على مجتمعاتها، وباتت تعامل معارضيها على أنهم متآمرون مع الغرب.

ونلاحظ أنه في كل الحالات التي فُرضت فيها العقوبات الاقتصادية، كانت الشعوب هي الضحية، وهي مَن يدفع فاتورة هذه العقوبات من قُوتها ودوائها ودمها.. فضعفت المجتمعات، وشكّلت هذه العقوبات مع الزمن الشماعةَ التي تعلق عليها تلك الحكومات جميع إخفاقاتها، في حين تنمو وتتضخم جماعات تستغل المجتمع وأزماته لتحقيق الثراء المادي الكبير. كما كانت هذه العقوبات بيئة خصبة لانتشار الفساد بمختلف أنواعه.. وكل ذلك لصالح الجماعات الطفيلية التي تتغذى على أزمات المجتمع الناشئة عن العقوبات، لدرجة أن هذه الجماعات صارت جزءاً كبيراً من المشكلة، وأضافت إليها تعقيداً أشد ضرراً من العقوبات ذاتها. وقد أضافت العقوباتُ أعباءَ اقتصادية على كواهل الشعوب الفقيرة، وجعلتها ضعيفةً منهكةً. ولو تأملنا في العديد من الأمثلة لوجدنا أن العقوبات ساهمت في زيادة هشاشة المجتمعات التي باتت تلهث وراء لقمة العيش بدلاً من الإبداع والتطوير والنهوض.

ولذا لا غرابة إن قلنا إن ثمة مصالح خفية أو ارتباطاً مصلحياً متبادلاً أحياناً بين المحاصِر والمستهدَف بالحصار، أو كأن العالَم الذي يدِّعي أنه يسعى لصالح تلك الشعوب وسعادتها، ليس إلا شريكاً فعلياً في قهرها وإدامة بؤسها! وقد كشف الزلزال الأخير مفارقةً عجيبةً، حيث أعاقت العقوباتُ الاقتصادية والعقباتُ اللوجستيةُ المفتعلةُ عملياتِ إنقاذ وانتشال الضحايا من تحت الأنقاض، بذريعة «احترام الحصار»!

وهنا تتعين الإشارة إلى أهمية المبادرة الإنسانية والأخلاقية التي اجترحتها كلٌّ من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وبقية دول الخليج العربية عامةً، حيث وجّه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، بتقديم 150 مليون دولار لضحايا الزلزال في كل من تركيا وسوريا، وبإرسال المعونات العاجلة وفرق الإنقاذ والأطقم الصحية، فيما وجّهت قيادة المملكة العربية السعودية بتسيير جسر جوي لنقل المساعدات إلى المناطق المنكوبة وإرسال فرق الإنقاذ والإسعاف اللازمة، ناهيك عن مشاركة الدول العربية الأخرى في هذا المجهود الإنساني الكبير. وأمام كارثة الزلزال، يمكن القول إن الوقوف مع الشعوب ودعمها لا يتم بفرض العقوبات، وإنما من خلال الدعم الفعلي والمساعدات السخية الصادقة، بعيداً عن المماحكات السياسية وغيرها!

*كاتب سعودي