مرة جديدة يقوم أحد المتطرفين - وهذه المرة في استوكهولم - بحرق نسخة من المصحف الشريف، وهكذا عمل بلا شك لا يصدر إلا عن كاره حقود يستفز مشاعر المسلمين، ويتسبب بإشعال مزيد من نيران ثقافة التعصب وهي – للأسف - منتشرة في العالم.
مراراً وتكراراً نقول إن التطرف يغذي بعضه بعضاً، وممارسات المتطرفين إنما هي إحدى محرضات الإرهاب التي تحرق نيرانه الجميع من دون استثناء. إن حرق نسخة من القرآن الكريم هو عدوان صريح وصارخ على كتاب المسلمين وإهانة للقيم النبيلة التي يؤمنون بها، وليس على الإطلاق ما يُدرج تحت بند حرية الرأي كما يحب البعض أن يصف هكذا فعل. 
ليس من شيم النبلاء الاعتداء على الأديان، وبالتالي يحق لكل مؤمن مسلم أن يقول إن حرق المصحف فعل يؤكد على عقلية انهزامية، وتطرف بغيض، وجريمة تغذي الغضب الذي قد ينتج عنه أعمال متطرفة أيضاً، وإنْ كان من غير الحكمة أبداً أن تجر هكذا تصرفات مقيتة الناس للخروج عن الأخلاق والقيم التي تمثل جوهر الإسلام الحنيف وتعاليمه، ومقابلة الشر بالشر.
إن ردود الأفعال الهادئة والمدروسة تسهم بشكل كبير في وأد الفتنة في مهدها، كما تشجع الأصوات العاقلة على التحرك للقيام بدورها وواجبها تجاه المجتمعات، ومن واجب المفكرين والسياسيين والإعلام أيضاً أن يعملوا معاً لإجهاض الفتنة من أي جانب ظهرت. وهنا مربط الفرس، حيث لا تكفي الإدانة الرسمية التي تصدر عن الحكومات رغم أهميتها، بل لا بد من العمل باستمرار لمنع أي تصرفات قد تقود إلى إعمال عنف، وهنا ليس أشجع من إصدار قوانين صارمة تعاقب كل شخص يعتدي على المقدسات الدينية ويؤجج مشاعر الأشخاص بأي دين كانوا يؤمنون.
بحجة الإسلاموفوبيا تُرتكب جرائم شنيعة تصل إلى حد إزهاق أرواح بريئة، مع العلم أن حرية اختيار العقيدة منصوص عليها في مختلف الشرائع والقوانين، ورغم ذلك يأتي متطرف وينتهك تلك القوانين مدعياً إيمانه بالحرية.
ليس من الحكمة الصمت لتمر الجريمة دون حساب، لكن الحساب يجب أن يكون من خلال القانون، والقانون فقط، وهنا أرى أنه لا ضير من رفع قضايا ضد كل من يعتدي على مقدسات الآخرين ويهدد حياتهم الشخصية.
صحيح ما قاله شيخ الأزهر د. أحمد الطيب بأن القرآن الكريم سيظل «في عليائه كتاباً هادياً للإنسانية جمعاء»، لكن على المسلمين المؤمنين أن يفكروا ملياً قبل الإقدام على أي فعل انتقامي، لأن الانتقام لا يأتي إلا بالتخريب الذي يجعل الصورة أكثر سواداً، في حين أننا نريد أن تكون صورتنا مشرقة كي يتسنى للأجيال الناشئة أن تكبر على المحبة لا على الكراهية، وعلى الخير لا على الشر.
على الرغم من أن القواسم التي تجمع بين بني البشر أكثر بكثير من تلك التي تفرق فيما بينهم، لكن ما يزال هناك من يدعي أنه الأعلى شأناً والأنقى عرقاً والأكثر حضارة من سواه. ورداً على تلك الادعاءات يجب على الذين يؤمنون بالإنسانية وبالعدالة أن يتماسكوا ويتعاونوا ويحاربوا من خلال الفكر البدع التي تريد هدم كل ما هو جميل، كما عليهم أن ينبهوا دوماً إلى أهمية وضرورة قبول الآخر، واحترام مساحة الاختلاف بين البشر، والإيمان بأهمية التنوع الموجودة في العالم وفي مختلف الثقافات. والأهم من ذلك، مثلما هو من حق أي إنسان أن يعيش حياته دون أن يؤذي أو يؤذى، فمن حقه أيضاً أن يدافع عن كرامته وعقيدته لكن بالقانون، ولا شيء سواه. آمل أن يدرك الجميع أن كلفة فاتورة الكراهية باهظة جداً تلك التي يمكن أن تحرق الأخضر قبل اليابس.