إيلون ماسك مصدر سحر لا ينفد في مجتمع يضع الثروةَ فوق كل شيء. ولأن الرئيس السابق دونالد ترامب أصبح أقل قوة وأصبح ضجيجه أقل تشويقاً، يجب ألا يتفاجأ أحدٌ من تحول وسائل الإعلام في التيار الرئيسي سريعاً إلى الولع بملياردير آخر شغوف بذاته. لكن دعونا لا نغفل عن ثلاثة أنواع من المشكلات الحقيقية التي يواجهها ماسك. وهذه المشكلات يجب، على أقل تقدير، أن تمحو أي تصور متبقي عن عبقريته الفريدة.
أولا: تواجه «تسلا» رياحاً عاتيةً؛ فقد انخفض سهمها في الآونة الأخيرة بدرجة جعلت ماسك يفقد لفترة وجيزة لقب أغنى شخص على هذا الكوكب. وذكرت شركة كيبلينجر الإعلامية الأميركية أن أصلَ المشكلة يكمن في انخفاض الطلب، بما في ذلك تصاعد المنافسة مِن مصنِّعي السيارات الكهربائية الآخرين، فضلا عن تباطئ الاقتصاد العالمي. وقال أحد المحللين إن «عائلة منتجات تسلا الضيقة (والمكلِّفة) وصلت إلى حالة التشبع». وربما لا يساعد الشركة أيضاً أن منتجاتها صُممت لجذب المستهلكين التقدميين الأثرياء الذين يخشون الإضرار بالمناخ، وهم ليسوا بالضبط النوع الذي تغريه يمينية ماسك المتطرفة وتأييده لروسيا. 
ومن المفهوم أن مساهمي تسلا يريدون من ماسك أن يولي اهتماماً أقل لتويتر واهتماماً أكبر باستثماراتهم المهددة. وذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن «شبكة التواصل الاجتماعي استحوذت على انتباه المدافع العظيم عنها منذ أن عرض استحواذاً بقيمة 44 مليار دولار للمنصة في 25 أبريل الماضي. ولم يضطر الملياردير فقط إلى بيع أسهم تسلا والحصول على قروض شراء بالهامش لتمويل الصفقة، لكنه ركز بشكل كامل على شبكة التواصل الاجتماعي، وتخلى عن تسلا إلى حد ما، في أجواء بيئة صعبة للاقتصاد الكبير». وينتقد مستثمرون مجلسَ إدارة شركة تسلا وينتقدون ماسك علانيةً. وذكر موقع «ياهو فاينانس» أن «مجلس إدارة تسلا غائب، فقد نشر ليو كوجوان أحد أكبر المساهمين الأفراد في تسلا، تغريدةً يوم الأربعاء (7 ديسمبر) اقترح فيها إعادة شراء الأسهم. ودعا هو وروس جيربر، وهو مستثمر آخر يعلن آراءه في تسلا، مجلسَ الإدارة إلى إضافة مدير يمثل مساهمي التجزئة. وقد قال ماسك نفسه إن لديه.. الكثير من العمل، ويعالج الأمور بالنوم أحياناً في المكتب. وبينما كان في الماضي ينام في منشآت تسلا، أصبح في الآونة الأخيرة يغفو في مقر تويتر في سان فرانسيسكو». 
ثانياً: أصبحت المقاومة في تويتر عصيةً على السيطرة. وقد ذكرت شبكة «سي.إن.إن» أن «مجموعة من موظفي تويتر السابقين الذين يقاضون الشركة تحدّثوا يوم الخميس (8 ديسمبر)، زاعمين أن عمليات التسريح الجماعي التي نفذها المالك الجديد للموقع (الشركة)، إيلون ماسك، تسببت في انتهاكات متعددة لحقوق العمال». وتتضمن هذه الادعاءات أن «تويتر نكث بوعوده بالسماح بالعمل عن بعد ومزايا إنهاء الخدمة بعد استحواذ ماسك، بالإضافة إلى شكاوى متعلقة بالتمييز المزعوم على أساس الإعاقة والنوع الاجتماعي. وهناك دعوى أخرى نيابةً عن متعاقدي تويتر الذين تم تسريحهم». ومن المفارقات لشخص يصف نفسه بأنه مناصر لحرية التعبير، أن ماسك يهدد الآن منتقديه. ويعلن أنه سيقاضيهم بموجب اشتراطات عدم إفشاء أسرار الشركة التي وقّعوا عليها كموظفين. 
ويطرح منتقدون تساؤلات حول مدى انتهاك ماسك مرسومَ الموافقة الذي أبرمته تويتر مع لجنة التجارة الاتحادية بشأن الممارسات الأمنية للمنصة. وإذا تبين أنه انتهك شروط المرسوم بشأن خصوصية البيانات، فقد يتكبد غرامات ضخمة. ودعونا لا ننسى الجهات المنظمة في أوروبا. فقد أفادت تقارير أن تييري بريتون، مفوض الاتحاد الأوروبي للسوق الداخلية، هدد بحظر تويتر خلال مكالمة في الآونة الأخيرة مع ماسك إذا لم تلتزم الشركة بطائفة من اللوائح المنظمة للاتحاد الأوروبي. وذكر موقع بيزنيس انسايدر أن هذا يتضمن «التخلي عن النهج الاعتباطي لإعادة الحسابات المحظورة.. ويجب أن يوافق تويتر أيضاً على إجراء تدقيق مستقل وشامل بحلول عام 2023». 
ثالثاً: تويتر يجد صعوبة في التعامل مع معاداة السامية. فلدى الجماعات ذات الخبرة في التصدي لمعاداة السامية وخطاب الكراهية، مثل رابطة مكافحة التشهير، شعاراً محدداً وهو لا يمكنك تجاهل معاداة السامية وخطاب الكراهية وإلا ستزداد الأمور سوءاً. والواقع أن الولايات المتحدة تسبح في موجة من معاداة السامية الصارخة والخطاب الذي يحض على الكراهية من اليمين المتطرف. وذكرت رابطة مكافحة التشهير أن «حوادث معاداة السامية التي استهدفت مؤسسات يهودية قفزت 61 في المائة بين عامي 2020 و2021، وفقاً لمراجعة الرابطة لحوادث معاداة السامية لعام 2021. وبناءً على البيانات الأولية، ستحكي لنا أرقام عام 2022 قصةً مشابهة». وقد التقى ماسك فعلياً بأعضاء من الرابطة الشهر الماضي، وبعدئذ بدا أن ماسك التزم بتعديل خطاب الكراهية على تويتر. ثم سرّح نصف موظفي الشركة وأعاد حسابات كثيرين من معادي السامية والنازيين الجدد. وفي الثاني من ديسمبر، ذكرت الرابطة أنها لاحظت «في الأسابيع القليلة الماضية زيادةً في المحتوى المعادي للسامية على المنصة، وتقلص الاعتدال في التدوينات المعادية للسامية، وهو وضع مقلق سيتفاقم على الأرجح، عند الأخذ في الاعتبار ما ذكرته تقارير عن تقليص عدد موظفي الإشراف على المحتوى في تويتر». وأضافت الرابطة: «تؤثر هذه التغييرات بالفعل على انتشار الكراهية على تويتر، وعودة المتطرفين من جميع المشارب إلى المنصة قد يفاقم انتشار التضليل والمحتوى المتطرف». وطعن ماسك في منهجية هذا التقرير، لكن بيده كل الأوراق. فإذا أراد تقديم صورة كاملة للمنتقدين، فعليه توفير إمكانية الوصول إلى البيانات والعمليات. وسنت ولاية كاليفورنيا في سبتمبر الماضي قانوناً يطالب شركات وسائل التواصل الاجتماعي بـ«نشر سياساتها علنًا فيما يتعلق بخطاب الكراهية والتضليل والتحرشات والتطرف على منصاتها، والإبلاغ عن بيانات بشأن إنفاذ السياسات». وطالما أن ماسك يفتقر إلى نظام للاعتدال يعكف على التخلص من معاداة السامية الخبيثة وخطاب الكراهية، ويستمر في السماح للذين يغردون بمثل هذه المواد على المنصة، فسيواجه غضبَ الجماعات المناهضة للكراهية الأكثر احتراماً وتأثيراً في البلاد. وإذا دأبت هذه الجماعات على الإبلاغ عن نشر موقعه لمعاداة السامية وخطاب الكراهية، فكم من الوقت سيمضي قبل أن يغادر المشاهيرُ الذين لديهم ملايين المتابعين وكبار المعلنين المنصةَ بلا رجعة؟

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنينج آند سينديكيشن»