بينما جرت العادة على أن تتنوع الملفات وتحتدم النقاشات على طاولة اجتماعات قمة مجموعة العشرين، فإن قمة بالي التي عقدت مؤخراً لم تكن كسابقاتها، لا من حيث السياق الدولي للقمة ولا من حيث عدد الملفات محل التفاوض ولا بالنظر لكم الخلافات القائمة بين أعضاء المجموعة ومسؤوليتهم عما آلت إليه أمور الاقتصاد العالمي.

وعندما استلمت إندونيسيا الرئاسة السنوية الحالية للقمة، أعلنت عن ثلاث أولويات رئيسية لعملها، أولها هندسة الصحة العالمية في أعقاب جائحة كورونا، وثانيها ضبط التحولات الرقمية الدولية وتوجيهها للوجهة التي تخدم النمو الاقتصادي العالمي، وثالثها دعم انتقالات الطاقة المستدامة.

لكن مجريات الأمور على امتداد العام الحالي 2022 قد أبعدت القمة عن هذه الأولويات وأخذت أعمالها ونقاشاتها في ملفات دولية أكثر تداعياً على الاقتصاد العالمي.

فمن ناحية أولى، وخلال العام المنقضي، عصفت الحرب الروسية على أوكرانيا بالتجارة الدولية في الحبوب والأسمدة، وحلقت أسعار سلة الغذاء في كافة دول العالم، ليترتب على ذلك تضخم وانكماش غير مسبوقين في جغرافيا عالمية واسعة، وكان ذلك كافياً بأن ينصرف تركيز القمة نحو كيفية التعامل مع أزمة شديدة الوطأة ليست على قطاع الغذاء العالمي فقط، بل على آفاق نمو الاقتصاد العالمي كذلك.

ومن ناحية ثانية، خيّمت المشكلات والتوترات في سوق النفط العالمية على اهتمام القمة. فاختلاف الرؤى القائم بين كبار منتجي «أوبك بلس»، بقيادة المملكة العربية السعودية، وبين كبار المستهلكين، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، علا بملف الطاقة التقليدية في قائمة أولويات قمة العشرين، وانحرف بملف الطاقة بعيداً عن قضايا الاستدامة البيئية.

ومن ناحية ثالثة، ترتب على احتدام التنافس الصيني الأميركي، وخصوصاً مع عودة ملف تايوان لدائرة الضوء، أن صارت قمة العشرين متنفساً صينياً- أميركيا للنقاش وفرصة جيدة للنظر في آليات التعامل مع القضايا العالقة في ما بينهما، ولاسيما قضايا المناخ والاستثمار والتهديدات الصينية للتكنولوجيا الأميركية. وكان أن انعكست الأوضاع الاقتصادية العالمية المتأزمة على إعلان قادة بالي لمجموعة العشرين.

ففي غير موضع، ركز بيان القمة على عدة قضايا اقتصادية تعكس تطلعات أعضاء القمة للمستقبل المنظور. إن أول هذه الأمور تمثل في إعلان وتأكيد دول القمة بالالتزام بدعم المرونة في سلاسل الإمداد الدولية، وخصوصاً في قطاع الغذاء المتجه للدول منخفضة الدخل. وكان تسهيل تحركات رأس المال ودعم دور القطاع الخاص في معالجة مشكلة هشاشة النمو الاقتصادي هو ثاني الأمور التي تم التشديد عليها في إعلان القمة.

كما لم يخلُ بيان القمة من دعوة البنوك ومؤسسات التمويل الدولية لزيادة تدابيرها التمويلية لدعم قدرة الاقتصاد العالمي على الصمود في مواجهة التضخم ومؤازرة الدول لتحقيق الأهداف الأممية للتنمية المستدامة.

مركز تريندز للبحوث والاستشارات