بعد إكماله عملية الاستحواذ على «تويتر»، كتب إيلون ماسك تغريدة قصيرة في 28 من أكتوبر: «لقد تحرر العصفور The Bird Is Freed»، إلا أن التكهنات هي ما يتسيد المشهد وأولها دوافعه في الاستحواذ على «تويتر»، وما هي خططه المستقبلية لـ«العصفور الأزرق».

من جهة أخرى، تبدو عملية الاستحواذ منطقية بمراجعة المكونات الرئيسية لإمبراطورية «ماسك»، فهي تمثل قاعدة نوعية حال اكتمال شبكة «ستار لنك»، والتي توفر خدمة إنترنت فائقة السرعة عبر منصة فضائية (شبكة من الأقمار الصناعية المتكاملة، وسوف تكتمل لتغطية شمال الكرة الأرضية قبل نهاية الربع الأول من عام 2023). إلا أن ما يحيّر المراقبين، هو اقتحام ماسك لحيز «إعلامي» شديد الحيوية والتأثير في توجيه الرأي العالمي وليس فقط المحلي أو الإقليمي، وبحسب تغريدة أخرى للمالك الجديد: «أريد تحويل تويتر إلى ميدان مدينة رقمي Digital Town Square»، فهل كانت تلك الرسالة إيذاناً بتحرير «تويتر» من التوظيف السياسي؟

وهل اشتراطه تطهير «تويتر» من الحسابات الوهمية تأكيد لذلك؟ وذلك أمر نفته إدارة «تويتر» ومن ثم محاولتها التقليل من حجمها، لتعود لاحقاً لتأكيد ادعاء ماسك، إلا أنه لم يشفع لهم وأنهى خدماتهم جميعاً بعد إتمامه عملية الاستحواذ. ربما لتعليق الرئيس جو بايدن دلالة سياسية في وصف تويتر «منصة لنشر الأكاذيب»، فهل باتت مخاوف اليمين واليسار مستحقة، خصوصاً وأن «ماسك» أوجز ذلك في تغريدة له في الثاني من نوفمبر الجاري «أن تهاجم من اليمين واليسار في آن واحد لدلالة جيدة». إلا أن نجاح ماسك من عدمه في تحييد تويتر من التخادم ورؤوس المال السياسية، قد يبدو جسراً بعيد المنال، إلا أنه وبخلاف أقرانه من الأثرياء مثل جف بيسوس والذي جرب حظة في معترك المال السياسي، ليتضح لاحقاً أن ذلك قد تعارض ومصالح المستثمرين في أمازون.

تحييد «تويتر» سياسياً وتأصيل قابلية تطويرها لمنصة تخدم التناضح الثقافي السلمي بين الشعوب، قد تبدو غاية بعيدة المنال، وقريباً سيجد نفسه منهكاً بين أروقة المحاكم بعد تقليصه للقوة العاملة بنحو 50%، وقد يقود ذلك العديد من المعلنين الكبار عبر المنصة للتخلي عن تعاقداتهم مستقبلاً في حال ثبوت الفصل التعسفي، وذلك تحديداً هو الميدان الذي سيجتهد خصوم «ماسك» لإبقائه فيه واستنزافه مادياً ومعنوياً. بكل المقاييس نحن أمام حالة فريدة تسترعي الانتباه لكل تفاصيلها، ففي حال نجح «ماسك» في ربط كافة مكونات إمبراطوريته، فإنها ستتحول إلى ظاهرة اقتصادية غير مسبوقة بشرياً، وذات تأثير في واقع التوازنات التقليدية.

فهل لما يطلقه من وعود «أنه من الأهمية بمكان أن تجمعنا منصة بمثابة ميدان مدينة رقمي، حيث يحدث التناظر في اختلافاتنا بشكل حضاري وصحي، ودون الحاجة للجوء للعنف»، فهل لفلسفة ماسك أي علاقة بخلفية طفولته في جنوب أفريقيا، أم أن المال والنجاح قد فقدا بريقيهما لديه ليعتنق الإصلاح الإنساني؟

* كاتب بحريني