أثارت موجة جديدة لفيروس إيبولا مشاعر صدمة عبر المجتمع الصحي العالمي. فقد أعلنت أوغندا يوم الثلاثاء قبل الماضي أنه تأكد موت 19 شخصاً حتى الآن بسبب الفيروس منذ شهر سبتمبر، وعُثر على الحالة الأخيرة في العاصمة كمبالا – وهي مدينة يفوق عدد سكانها 1.5 مليون نسمة. ورغم توافر لقاح ضد إيبولا، إلا أنه ليس فعّالاً ضد السلالة التي تنتشر حالياً في أوغندا.

ويُعد إيبولا فيروساً مدمراً بشكل أساسي، ذلك أنه إذا أصيب شخص ما بالعدوى، ينهار جهاز المناعة لديه وأوعيته الدموية بسبب الفيروس الذي يتسبب في حمى نزفية فيروسية. ويمكن أن تشمل الأعراض التقيؤ والإسهال والنزيف الداخلي والخارجي. وعادة ما يكون الموت سريعاً، والذي يحدث جراء تعطل عدة أعضاء.

وعلى الرغم من أن معدل الوفيات يمكن أن يختلف اختلافاً جذرياً حسب الظروف، إلا أن منظمة الصحة العالمية تقول إن شخصاً تقريباً من أصل كل شخصين مصابين بالفيروس يتوفى. تأثيره النفسي يثير الخوف أيضاً، فقبل ثماني سنوات، تسبب إيبولا في هلع دولي حينما انتشر بشكل واسع في غرب أفريقيا. حينها، غرّد دونالد ترامب على تويتر يقول إنه ينبغي ألا يُسمح لعمال المساعدات الأميركيين، الذي أصيبوا بالفيروس في الخارج بالعودة إلى البلاد، وإنه ينبغي أن «يتحملوا العواقبّ». وفي نهاية المطاف، أدت الموجة إلى أكثر من 11 ألف وفاة، جميعها تقريباً لأفارقة. ولكن العالم تغير كثيراً منذ ذلك الحين. ولعل أهم تغيير منذ انتشار إيبولا في 2014 هو حقيقة أن العالم عانى من وباء عالمي هو فيروس كورونا.

على الورق، قد يبدو إيبولا أكثر إخافة بكثير من فيروس كورونا الذي بدأ الانتشار من ووهان الصينية في أواخر 2019. فخلال الموجة الأولى من الوباء، ارتفع معدل الوفيات التي يتسبب فيها بأقل من 15 في المئة في البلدان الأكثر تضرراً من الفيروس، وهو الآن دون 1 في المئة في معظم أنحاء العالم. ولكن فيروس كورونا تنقل بسهولة أكبر بكثير من إيبولا. إذ يمكنه أن ينتشر من خلال الرذاذ في الهواء، بينما ينتشر إيبولا من خلال الاتصال الجسدي بسوائل جسم شخص مريض أو مات جراء الفيروس. فالناس الذين أصيبوا بإيبولا مؤخراً ولا يبدون أي أعراض بعد لا يستطيعون نشره، وبالمقابل، انتشرت في 2014 الكثير من حالات الإصابة المبكرة بإيبولا بسبب التقاليد الجنائزية التي تشمل غسل جسم الميت.

أما فيروس كورونا، فإنه ينتشر بشكل أسرع بكثير، ما جعل التعاطي معه أصعب بكثير. وقد توفي 6.5 مليون شخص على الأقل جراء كوفيد- 19، وإن كان تقديرات الحصيلة الحقيقية أعلى بكثير، بل إن حتى أسوأ التقديرات الخاصة بإيبولا ليست قريبة من هذا الرقم. نظرياً، يُفترض أن تكون هناك دروس إيجابية تستخلص من وباء فيروس كورونا. فبالنسبة للبلدان الغنية، لم يكن الأمر يتعلق بانتشار فيروس بعيد في مكان قصي من العالم.

وقد طُورت اللقاحات بسرعة كبيرة وأُرسلت حول العالم، وهذا هو السبب الرئيسي للانخفاض الكبير في معدلات وفيات فيروس كورونا. كما أشيد بعمال الصحة، الذين كانوا الأكثر عرضة للخطر بسبب الفيروسين، واحتُفي بهم كأبطال.

ولكن بالنسبة لبلد مثل أوغندا، تبدو الدروس المستخلصة من فيروس كورونا أشبه بقصص تحذيرية. فحتى وسط تهديد فيروس كورونا العالمي، رفضت بلدان كبيرة مثل الولايات المتحدة والصين التعاون. وفي ذروة الوباء، نُبذت جنوب أفريقيا بسبب تبليغها المبكر عن متحور جديد. كما عملت البلدان الغنية على تجميع وتخزين اللقاحات، بينما بقيت البلدان الفقيرة بدونها. وحتى الآن، فإن أقل من ثلث سكان أفريقيا ملقَّحون تلقيحاً كاملاً ضد كوفيد- 19. والآن، وبينما تضاءل الاهتمام بالوباء في معظم العالم الغني، فإن الاهتمام بالمشاكل الصحية العالمية الأخرى آخذ في التضاؤل أيضاً.

عمال الصحة في أوغندا يعانون من نقص الوسائل والإمكانيات. فأعراض سلالة إيبولا السودانية يمكن أن تتشابه مع الملاريا، رغم أن متطلبات العلاج وتدابير منع الانتشار مختلفة اختلافاً كبيراً.

وفضلاً عن ذلك، هناك منشأة صحية حكومية واحدة فقط قادرة على تحديد إيبولا في البلاد – عدد الوفيات المشتبه فيها في أوغندا يعادل ضعف الـ19 الذين أكدت نتائج المختبرات إصابتهم. ولئن كان هناك لقاح ضد إيبولا، فإنه مصمم من أجل مكافحة سلالة الفيروس الزاييرية التي تسببت في الكثير من الضرر خلال تفشي الفيروس في غرب أفريقيا ولاحقاً في جمهورية الكونغو الديمقراطية.

ولا يوجد لقاح مثبت للسلالة السودانية من المرض بعد، وإن كان مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم قال يوم الأربعاء الماضي، إن تجربة إكلينيكية ستبدأ على مرشح في ظرف أسابيع. وعليه، فإن أي شخص يمنّي النفس بتطوير لقاحات سريعة ضد هذا الفيروس، على غرار ما رأيناه خلال كوفيد- 19، سيصاب بخيبة أمل على الأرجح. ذاك السباق السريع لتطوير لقاح والذي بلغت كلفته 18 مليار دولار – وأشرف عليه دونالد ترامب نفسه – لم يبدأ سوى في منتصف مايو 2020، وحينها كان قرابة 90 ألف وفاة قد سُجلت في الولايات المتحدة لوحدها.

والواقع أن انتشار إيبولا في أوغندا من غير المحتمل أن يهدِّد الولايات المتحدة بنفس الدرجة وعلى النطاق نفسه، وخاصة مع إجراء السلطات إجراءات فحص ومراقبة في المطارات.

ولكن وكما كتبت ديفي سريدهار، رئيسة الصحة العامة العالمية بجامعة إدنبره، في مقال لها بصحيفة «ذا جارديان» الأسبوع الماضي، فإن تحيز البقاء من أولئك الذين نجوا خلال كوفيد-19، يؤثر حالياً على الطريقة التي نفكر بها في مخاطر الصحة العالمية الآن في عصر ما بعد اللقاح.

سريدهار كتبت تقول: «إن الأمراض المعدية في أماكن بعيدة هي أمراض لا تبعد عنا دائماً سوى برحلة على متن الطائرة»، مضيفة: «لأسباب إنسانية وأخرى مرتبطة بالمصلحة الذاتية، هناك ضرورة واضحة لوقف تفشي الفيروسات حيثما حدث ذلك».

*كاتب بريطاني

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست نيوز سينديكيت»