بدت أفلام هوليود واقعية جدا مساء الاثنين، في وقت استهدفت فيه وكالة «ناسا» كويكبا يقع على بعد قرابة 7 ملايين ميل (ما يعادل حوالي 11 مليون كيلومتر) عن كوكب الأرض بواسطة مركبة فضائية صغيرة لتدفع الصخرة الفضائية إلى مسار جديد. إنها مهمة قد تساعد على إنقاذ الكوكب يوما ما. الكويكب، الذي يدعى «ديمورفوس»، لم يكن متوجها نحو كوكب الأرض، بل إنه لا يمثّل أي تهديد لها على الإطلاق. وذالك هو السبب الذي دفع «ناسا» لاستخدامه في ممارسة الاستهداف. والآن وقد استطاعت وكالة الفضاء الأميركية دفع «ديمورفوس» إلى مسار جديد بنجاح، فإنها تستطيع استخلاص دروس مهمة بخصوص كيفية الدفاع عن الأرض في حال حدوث وضع أكثر صعوبة في المستقبل.
بمعايير الخيال العلمي، قد تبدو العملية عادية بعض الشيء – لا انفجارات نووية أو أشرارا في الفضاء. فالمهمة تكمن بكل بساطة في ارتطام مركبة «دارت» بالكويكب. ولكن خلافا لأفلام هوليود، تقدِّم هذه القصة حبكة حقيقية في حماية كوكب الأرض. ذلك أن القصة تنطوي على بشر حقيقيين يدافعون عن الكوكب. وعوضاً عن المؤثرات الخاصة، يقوم بتذليل الصعاب والعراقيل العلمية مبتكرون من الحياة الحقيقية.

وفي تعليقه على هذه المهمة، قال توماس ستاتلر، مدير برنامج «دارت» بوكالة «ناسا» في إحاطة صحافية في 22 سبتمبر: «لقد سبق لنا أن ارتطمنا مع أشياء من قبل، ولكن ليس بنيّة تحريكها»، مضيفا «إننا سنحرك كويكبا. سنغير حركة جرم سماوي طبيعي في الفضاء. وهذا شيء لم يسبق للبشرية أن فعلته من قبل». نجاح المهمة كان رهينا بارتطام «دارت» مع الكويكب، وهو ما حدث.

وفي هذا الصدد، قالت إيلينا أدامس، مهندسة أنظمة المهمة ضمن فريق إدارة مختبر الفيزياء التطبيقية التابع لجامعة جون هوبكنز، الذي طوّر المشروع لحساب «ناسا» وقاده: «إنه من الصعب حقا استهداف شيء صغير جدا في الفضاء وهذا ما سنفعله».
ولئن كان الهدف واضحا، فإن الطريق إلى الاثنين لم يكن طريقا بسيطا. والأكيد أن عمل المهمة لن ينتهي مع حدوث الارتطام.
وفي هذا السياق، قال د. ستاتلر في مقابلة صحافية معه: «إن هناك أشياء كثيرة تحدث»، مضيفا «فهناك الملاحظات الفلكية، وهناك المحاكاة الحاسوبية الفيزيائية لعملية الارتطام، وهناك ما سيحدث للمركبة الفضائية. وكلما نبشت في هذا الأمر أكثر من الجانب العلمي، ازداد كل واحد من هذه الأشياء تعقيدا». إحدى المهام الأولى للفريق العلمي كانت تتمثل في تحديد موقع الجسم الصخري الصحيح في الفضاء.
وقد وجدوه في «ديمورفوس»، وهو أحد كويكبين يتحركان معاً ضمن ما يدعى «نظام كويكب ثنائي». (ومن هنا جاء تسمية «دارت» (DART)، وهي كلمة مكونة من الحروف الأولى ل«اختبار إعادة توجيه الكويكب المزدوج» Double Asteroid Redirection Test). ويدور «ديمورفوس» في مدار حول «ديديموس» ضمن نظام اكتشف أول مرة في 1996.
وباستهداف «ديمورفوس»، سيكون العلماء قادرين على ملاحظة مدى تغير ذاك المدار. أما التحدي الثاني، فهو التفاعلات الفيزيائية للاصطدام: أي تغيير مسار جسم كبير بجسم أصغر منه بكثير. ومن الأمثلة المعروفة لإعادة التوجيه هو حين تصطدم كرة بيلياردو متحركة بكرةٍ أخرى متحركة – ولكن في الحالة التي بين أيدينا، الجسمان ليسا متماثلين من حيث الحجم. إذ يعادل الجزء المركزي من مسبار «دارت» حجم ثلاجة، في حين يبلغ قطر «ديمورفوس» 160 مترا تقريبا.

ما يفيد «دارت» هو السرعة. فمن خلال جعل مركبة «دارت» تصطدم مع الكويكب بسرعة متوقعة تعادل 4 أميال في الثانية (15 ألف ميل في الساعة، أو ما يعادل حوالي 24 ألف كيلومتر)، فإن الهدف هو اصطدام يقلّص سرعة «ديمورفوس» بجزء بسيط من 1٪.

وهذا قد يكفي لإثبات صحة مفهوم إعادة توجيه الكويكبات في الدفاع عن الكواكب مستقبلا. بعبارة أخرى، لو أن كويكبا بحجم «ديمورفوس» كان متجها نحو الأرض، فإن ذلك كان سيشكّل تهديدا حقيقيا. وإبطاؤه ولو بجزء بسيط جدا حينما يكون ما يزال بعيدا سيكون كافياً لتلافي اصطدام كارثي.
مهندسو المهمة طوّروا خوارزميات استهداف تمكّن المركبة من توجيه نفسها وضمان ارتطامها ب«ديمورفوس»، وليس ب«ديديموس». وقد ساعدت مجموعة ألواح شمسية كبيرة المركبة على زيادة السرعة، وتشغيل محرك دفع كهربائي.
ويقول جاي ماكماهون، وهو مهندس فضاء بجامعة كولورادو بولدر ساهم في تحليل المهمة: «إن الكثير من التكنولوجيات الجديدة اختُبرت على هذه المركبة الفضائية... الألواح الشمسية الجديدة، والدفع الجديد الذي يجعل المركبة الفضائية أكثر استقلالية حتى تستطيع القيام بالشيء الصحيح في الواقع»، مضيفا: «لا يمكننا أن نجعل بشرا يشغّلون عصا التحكم لأن الأشياء تحدث بسرعة كبيرة، ولهذا، تحتاج المركبة الفضائية لاتخاذ قراراتها الخاصة بنفسها».
ولعل التحدي الأكبر الذي واجه المهمة هو التوجيه. فالمركبة الفضائية، التي ستكون مستقلة ومطالَبة باتخاذ قرارات بمفردها إلى حد كبير، سيتعين عليها استهداف كتلة صغيرة نسبيا وذات شكل غير معروف. وتقول عالمة المهمة مالوري ديكوستر، التي ستساعد على التحري بشأن الاصطدام: «إن جزءا كبيرا مما تُظهره«دارت» هو: «هل نملك الأشياء الضرورية واللازمة لتحريك مركبتنا الفضائية بشكل مستقل حتى تصطدم بهذا الجسم الصغير بشكل مستقل؟».
أحد الاختبارات الكبيرة بالنسبة للباحثين لن يأتي إلا بعد اصطدام يوم الاثنين، ألا وهو: قياس ما حدث. ف«ديمورفوس» يدور في مدار مرة كل 11 ساعة و55 دقيقة. والهدف هو إبطاء دورانه بما يصل إلى 10 دقائق. وسيؤكد العلماء ما إن كانوا قد نجحوا في ذلك من خلال أجهزة تليسكوب تعمل انطلاقا من كوكب الأرض، حيث سيقومون بقياس الاختلافات في السطوع التي تحدث أثناء دوران «ديمورفوس» في مداره.* صحفية أميركية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»