لم يخضع اقتصاد في حجم روسيا منذ الثلاثينات لطائفة واسعة من القيود التجارية، كتلك التي تم فرضها بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا. ولكن على عكس إيطاليا واليابان في الثلاثينات، وهي تُعد حالياً من كبار مصدري النفط والغاز والحبوب. ونتيجة لذلك أصبح للعقوبات تداعيات اقتصادية أكبر كثيراً من السابق، وسوف تكون مخاطرها دافعاً لإعادة النظر في مفهومها، مع العلم أن العقوبات في العصر الحديث، لا تشكل تهديداً مباشراً بقدر ما كانت عليه في الثلاثينات، مما يحد من مخاطر التصعيد العسكري. 
وإذا كان75% من قطاع البنوك الروسي قد تأثر بالعقوبات، التي أدت إلى تجميد مليارات الدولارات واليوروهات في بريطانيا وألمانيا وأميركا، فإن هجرة رؤوس الأموال تزداد كثافة مع استمرار الحرب واتساع نطاق تداعياتها، حتى بلغت نسبة الشركات التي غادرت روسيا 40% من الناتج المحلي الإجمالي، ما أدى إلى إلغاء تقريبا كل الاستثمارات الأجنبية، علما أن العقوبات تمنع الكثير من الشركات والدول من الاستمرار في التجارة مع روسيا، وتجد صعوبة في تحويل الأموال.
ويبدو أن العقوبات الغربية عموما، والأميركية خصوصا، بما يتعلق منها بتطبيق «قانون قيصر»، أصبحت تهدد بخروج الاستثمارات الروسية من نفط وغاز شرق المتوسط، وبما يؤثر على مصالحها الاقتصادية ونفوذها السياسي والعسكري. وتبرز في هذا المجال أهمية القرار الصادر عن شركة «نوفاتك» بالانسحاب من الكونسورتيوم اللبناني، لأسباب ربطتها بفقدان السيولة بالدولار الأميركي، التي تأثرت بالعقوبات، وانعكست عليها سلباً، ولم يعد باستطاعتها القيام بأي تحويلات مالية إلى الخارج. مع العلم أن حصتها تبلغ 20% إلى جانب شريكتيها الإيطالية «إيني» والفرنسية «توتال» بحصة 40% لكل منهما. ولكن هناك إضافة إلى ذلك أسباب أخرى ضمن سيناريو الانسحاب، منها أنها ربما وجدت أن استمرارها في الكونسورتيوم قد يشكل ضغطاً معنوياً وإدارياً على الشركتين المتبقيتين، بحكم العقوبات المفروضة على الشركات الروسية، وسبب آخر يتعلق بإعادة تقييم روسيا لوجودها في لبنان، وعدم رغبتها بتغطية إطلاق جولة جديدة من الاستكشافات برعاية أميركية في حال التوصل لاتفاق على ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل. 
أما بالنسبة للاستثمارات الروسية في سوريا، فهي تتعرض لنوعين من العقوبات، فبالإضافة إلى العقوبات الغربية ضد روسيا، هناك عقوبات «قانون قيصر الأميركي»، الذي دخل حيز التنفيذ في يونيو 2020، وهو يفرض عقوبات موسعة على النظام السوري، وداعميه من دول وكيانات ومؤسسات. ويرى بعض المراقبين أن الاستثمار الروسي في سوريا سيعكس اتجاهه، وسيخرج جانبا مهما من رأس المال الروسي من البلاد المؤهلة بقوة لأن تعود إلى جبهة الصراع الإقليمي والدولي.
وكذلك العراق، تأثر بدوره بالعقوبات الدولية على روسيا التي تبلغ استثماراتها في قطاع النفط فقط نحو 13 مليار دولار، إضافة إلى عقود التسليح التي تمثل العمود الفقري في قطاعات المؤسسة الأمنية العراقية. ويبدو أن فرض العقوبات وعدم إعطاء الإدارة الأميركية استثناء خاصاً للعراق، كما حصل مع الاستثناء بشأن استيراد الغاز الإيراني، جعل الدولتين تبحثان عن آلية لتسديد مستحقات الشركات الروسية. ويسعى العراق حالياً إلى أن يكون في منطقة التوازن، إلا أن احتياطات البنك المركزي وتعاملاته الدولارية تفرض امتثاله للعقوبات. مع الإشارة إلى أن بعض الخبراء دعوا المسؤولين العراقيين إلى التفكير ببدائل عن الشركات الروسية.
* كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية